أعادت الأزمة السورية إنتاج ظواهر مجتمعية كان المجتمع المحلي قيد التحرر منها، وأبرزها "زواج المقايضة"، خاصة في المناطق التي شهدت تاريخياً استمرار أنماط مجتمعية قديمة.

تقوم فكرة زواج "المقايضة" الذي يسمى "الشغار" في مناطق سورية متعددة على زواج شاب وأخته من شاب آخر وأخته من دون الاهتمام برأي أو مشاعر أو متطلبات الفئة الأقل قدرة على طرح وفرض رأيها، وهي هنا -لا جرم- المرأة؛ لأن المجتمعات المشرقية ذكورية الطابع في كثير من تفاصيل حياتها، يفرض ذلك أسباب اقتصادية ودينية ومجتمعية موغلة في التاريخ، ولها كذلك جذورها في النوع الاجتماعي الذي شهدته المنطقة وهو "القبيلة" المستمرة الوجود بأشكال جديدة.

تغيرت أحلامنا كثيراً بعد الأزمة، لم يكن أخي يريد لي هذا الزواج، لكن ماذا نفعل وسط هذه الظروف، وهذا الزواج من جهة ضمانة لي لأكمل حياتي مع شخص يقدّرني كما أتمنى، اليوم أنا حامل، وأعتقد أن حياتنا سوف تتحسن لاحقاً

عادت الفكرة إلى الظهور مع الأزمة السورية بأساليب متنوعة، لعل أبرزها ما حدث مع المهجرين من مناطقهم إلى مناطق جديدة، يقول الشاب "خالد الجاسم" من ريف "حلب" ومقيم في "اللاذقية" حالياً؛ المتزوج حديثاً زواج "مقايضة" في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 كانون الأول 2015: «بلغت من العمر 22 عاماً، ولا قدرة اقتصادية لي على بناء بيت والصرف عليه؛ فكان عليّ اللجوء إلى أكره الحلال وهو هذا النوع من الزواج، تزوجت أخت رفيق لي في الوقت الذي تزوج هو فيه أختي، لنعيش كلنا في منزل مؤقت يصل بيننا حاجز مؤقت أقمناه، أستطيع القول إننا لجأنا إلى هذا الحل بمباركة الأهل نظراً لظروفنا السيئة من كل الجوانب».

من مخيمات اللجوء

لوقت قريب كان اللجوء إلى هذا النوع من الزواج محصوراً في نطاق ضيق جداً، أغلبه يقع في مناطق شرقي البلاد، ويتم بين عائلتين تربطهما مصالح وقرابات، إلا أن هذه الظاهرة انتشرت في أمكنة جديدة، وقطاعات بشرية جديدة، تقول السيدة "ندى" وهي أخت الشاب السابق: «تغيرت أحلامنا كثيراً بعد الأزمة، لم يكن أخي يريد لي هذا الزواج، لكن ماذا نفعل وسط هذه الظروف، وهذا الزواج من جهة ضمانة لي لأكمل حياتي مع شخص يقدّرني كما أتمنى، اليوم أنا حامل، وأعتقد أن حياتنا سوف تتحسن لاحقاً».

يظهر المهر اليوم كإحدى العقبات التي تمنع انحلال الظاهرة لا بل تقوي ظهورها، وهذا السبب القديم المستجد برأي الشاب "عامر العتبة" من مهجري "ريف إدلب" إلى "اللاذقية" لبّ المشكلة، حيث يقول: «كان المهر وما يزال مانعاً للزواج، في مجتمعنا ما يزال الأهل ينظرون إليه على أنه معيار لقيمتهم الاجتماعية، فكلما ارتفع المهر كان لهم حضور أكبر في المجتمع، هذا التفكير يقودنا إلى التفكير في "زواج المقايضة" كحل للفئات المتشابهة اقتصادياً واجتماعياً، ومتى ما حدث الزواج تحلّ العقدة، لكن المشكلة التالية هي التوافق؛ فعندما يتشاجر زوجان تكون النتيجة مثلاً طرد الزوجة الأخرى من بيت زوجها، لا بل وضربها أحياناً من دون سبب».

صورة تعبيرية أيضاً

يرفض بعضهم هذا الزواج، خاصة تلك الشريحة التي تلقت تعليماً وأثر في تكوينها الفكري، يقول الشاب "عامر": «أرفض زواج "المقايضة" مهما كان له تبرير مجتمعي، أختي ليست سلعة للبيع ولها حقها في اختيار حياتها ومستقبلها، وعليّ أن أحل مشكلاتي وأبني نفسي على الرغم من كل الظروف السيئة التي نمر بها، في النهاية أنا وأختي بشر، ولسنا غنماً للمقايضة كما كنا نفعل في مواشينا وأرضنا، ولها حق التعبير عن رغباتها وحقوقها».

عن زواج "المقايضة" تذكر الباحثة "هزار المبيض" في دراسة جامعية لها: «هذا الزواج له آثاره السلبية والسيئة جداً على المرأة؛ لكونه يتم من أجل إتمام علاقة زواج أخرى، والمرأة في هذا الزواج لا تعامل على أنها امرأة وهي بحاجة إلى مهر وتحضيرات، فزواج المقايضة يختصر مكرهاً الكثير من الأمور التي تحبها وترغب بها، وهي من حقها شرعاً وقانوناً وهي على الأقل المهر، لذلك فإن لهذا الزواج أيضاً آثاره السلبية على الرجل؛ وبالتالي على العلاقة الزوجية، وتستمر آثارها على الأطفال الذين يتحملون في البداية التبعات النفسية والاجتماعية للآباء والأمهات جراء زواج كهذا، وفيما بعد تنعكس نتائجه كاملة عليهم، لذلك لا بد من النظر والتمهل قبل أن يتم هذا الزواج، والتروي جيداً قبل إجرائه».‏ ‏

أخيراً، من الواجب البحث عن حلول لهذه الظاهرة البغيضة عبر حلول مجتمعية تتضافر فيها الجهود للتخلص منها بطريقة مقنعة.

  • ملاحظة: جميع الصور تعبيرية.