ترتبط الذاكرة الشفهية السورية كثيراً بالطقس بحكم أن البيئة زراعية منذ آلاف السنوات، والأشهر التي يعتمد عليها السوريون في زراعتهم وحياتهم هي الأشهر الشرقية الحساب، ومنها شهر "أيلول".

هناك فرق بين التوقيت الشرقي المعتمد لدى السوريين والتوقيت الغربي المعتمد عالمياً الآن أربعة عشر يوماً، سببها الأساسي تغيير التقويم واعتماد التقويم الغريغوري (منسوباً للقديس غريغوريان) الذي أصدرته الكنيسة الرومانية قبل نحو ألف عام من الآن.

مع بداية أيلول ومدخل التشرينين يكون البيت القروي قد تمون لمرحلة الشتاء المقبلة من (مواد طعامه وشرابه وضيافته ومازوات عرقه وزوادته من الحبوب والزيوت والمكبوسات والمقددات والمربيات والمعقودات والمشروبات)؛ وكلها صناعة محلية مما تنتجه أرضه أو مما يحصل عليه بالتبادل مع جيرانه في القرى المجاورة أو في نفس القرية

يبدأ مطر أيلول في "سورية" في الأسبوع الثالث منه، وتؤرخ عادة في 27 أيلول عادة على الشرقي، يقول "كامل ديب" من قرية "السفكون" الواقعة على طريق "حلب" في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 أيلول 2015: «قد تتأخر الأمطار إلى ما بعد الأول من تشرين الأول، لكن أيام زمان كانت تمطر في أيلول بعد العشرين منه عادة، وتسمى "البدرة"، وتسمى كذلك لأنها بادرة خير توحي بما سيكون عليه موسم الأمطار في الشتاء القادم، وكلما بكرت في الهطول كان الشتاء أكثر أمطاراً وقساوةً وربما كان مثلجاً إذا ترافق المطر مع حبات البرد أحياناً.

كامل ديب

هناك أسماء أخرى تطلق على هذه "المطرات" الخفيفة عادة، منها مثلاً أمطار "المساطيح"، وهي ألواح توضع عليها ثمار التين التي تكون مسطوحة في نهاية موسمها؛ أي في شهر أيلول ليتم تجفيفها وتحويلها إلى تين مجفف أو "هبول"، ومن هنا يقول مثل قديم: "إذرو المساطيح من الريح"؛ أي احموها من الرياح المفاجئة في شهر أيلول.

كذلك يطلق في بعض المناطق على "مطرات" أيلول "الصيب" و"الصبيب"، وهذه الأمطار تمثل عاملاً مهماً في متابعة الموسم الزراعي الخريفي لزراعة الخضراوات، والأهم من ذلك أن مطرات أيلول تقوم بغسل أشجار الزيتون من الغبار والأوساخ التي علقت عليها طوال فصلي الربيع والصيف حيث تندر الأمطار، فيصبح من السهل أولاً "عشف" وتعزيل ما تحت الأشجار من أعشاب وأشواك و"دربيس" و"عليق" و"ديس"؛ وهي من الأعشاب التي تعيق عملية قطف الزيتون ويمكن بالتالي فرش الأقمشة والنايلون تحت الأشجار عند قطافها، ثم يبدأ بعدها بنحو شهر موسم قطاف الزيتون في أغلب المناطق الساحلية».

الحطب لشتاء قادم

ويضيف: «انتظار شهر تقريباً للبدء بقطاف الزيتون يأتي من احتمال هطول أمطار أخرى تفيد في تليين الأغصان وترطيب الجو أكثر، فالعمل في هذا الطقس أرحم من العمل في طقس أيلول الجاف عموماً؛ الذي تكون فيه الشمس شديدة الحرارة، خاصة أن العمل في قطاف الزيتون يتم في بيئة قاسية جبلية ومنحدرة في كثير من الأماكن.

يرتبط الطقس الاجتماعي بشهر أيلول بالاستعداد لجني بقية المحاصيل الصيفية من الفواكه والأشجار المثمرة عموماً، والاستعداد لتأمين مؤونة الشتاء من البرغل والحمص والعدس والخضار المجففة، مثل: البامياء، والفاصولياء، واليقطين (الخفيف) لدى أهل الجبل كما المدن التي نقلت إليها هذه العادة».

غيم أيلول

يذكر الكاتب "سامي ريحانا" عن طقوس أيلول التالي: «مع بداية أيلول ومدخل التشرينين يكون البيت القروي قد تمون لمرحلة الشتاء المقبلة من (مواد طعامه وشرابه وضيافته ومازوات عرقه وزوادته من الحبوب والزيوت والمكبوسات والمقددات والمربيات والمعقودات والمشروبات)؛ وكلها صناعة محلية مما تنتجه أرضه أو مما يحصل عليه بالتبادل مع جيرانه في القرى المجاورة أو في نفس القرية».

تذكر الأمثال الشعبية الكثير من هذه الطقوس المرتبطة بالمطرات، يقول المثل الشهير هنا: "أيلول ذنبه مبلول"، أو "أيلول طرفه في الشتا مبلول" ومعناه واضح أي أيلول لن يمضي من دون أن تمطر فيه مطرة واحدة على الأقل، كذلك يقول المثل: "في أيلول بيطح الزيت في الزيتون"؛ أي يكون الزيت في ثمار الزيتون قيد الانتظار، ومثله المثل القائل: "في أيلول بيدور الزيت في الزيتون والمُر في الليمون" والمر هو عصير الليمون، كما يذكر ذلك الباحث "ياسين عبد الرحيم" في كتابه "موسوعة العامية السورية".

أخيراً، إن لكل شهر حكايته في التقويم الزراعي المشرقي، ولكل شهر حضوره الخاص في حياة المزارعين، إلا أن أيلول الذي اشتق اسمه من الولولة والندب على الإله "بعل" و"تموز" يبقى له حضور مختلف، ففيه يدفق موسم الخير الوفير؛ موسم الزيتون.