حصلت الصناعة السورية على سمعة طيبة بعد عقود مضنية من العمل الشاق للحضور في الأسواق المحلية والعربية والعالمية؛ مقدمة جودتها كعامل جذب حقيقي أولاً.

ومع بدء الأزمة الراهنة في البلد، بدا واضحاً أن هناك من يعمل على تشويه سمعة هذه الصناعات بمختلف أنواعها، من الغذائيات وصولاً إلى المنتوجات اليدوية، فتم تقليد طيفاً واسعاً منها في البلدان المجاورة خاصة تلك الصناعات التي مثلت للمستهلك علامة جاذبة.

المعوقات الكثيرة التي تتعرض لها هذه الصناعة تتمثل في غياب القطع التبديلية عن منشآتها، عدا كون الاستقرار الاجتماعي والأمني عاملاً أساسياً في تطور أي صناعة فإن الحاجة إلى اليد العاملة التخصصية مشكلة مضافة بسبب الهجرة والانتقال من منطقة إلى أخرى

على أن بعض الشركات المحلية عمدت إلى تخفيض جودة منتجاتها، وهذا الأمر لاحظه الناس، يقول السيد "أحمد دليواتي" من صناعيي المدينة الوافدين؛ في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 حزيران 2015: «سمعة الصناعات السورية جيدة في كل القطاعات، فمثلاً في قطاع المنظفات لم نكن نستخدم إلا الصناعات المحلية، ومن أهمها تلك المنتجة في القطاع العام، وهذه تتعرض للتشكيك اليوم كثيراً مع أنها ما زالت جيدة جداً، إلا أننا لاحظنا أن جودة منتجات بعض الشركات قد بدأت الانخفاض مستغلة غياب الرقابة عليها من قبل التموين وأجهزة الدولة، وذلك من حيث الجودة بوجه رئيس، الأمر الذي جعل استهلاكنا منها يزداد بعد أن كانت تلبي الحاجة المنزلية عبر عبوة واحدة شهرياً مثلاً، هذا الأمر يعني عزوفنا عن شرائها بعد تكرار التجربة معها عدة مرات».

محمود الداية

هذه المشكلة يوافق الكثيرون على أنها ليست قابلة للتعميم، على أن هناك فعلاً انخفاضاً في جودة بعض الصناعات، لكن هل يتخلى الصناعي عن جودة منتجه بهذه السهولة؟ يقول الصناعي "محمد علي البيلاني" صاحب منشأة "البيلاني" لصناعة التجهيزات المنزلية في حديث سابق معه: «من غير المقبول لدى أي صناعي أو حرفي أن يخفض من جودة منتجه مهما كان السبب المعلن لهذا الأمر، على أن هذا في حال حصوله يجب أن يعرفه المستهلك، فعندما أقول إن هذا الصناعة من الفئة الأولى، يجب أن يتمتع بجميع خصائص هذه الفئة، وفي حال تغيير أي من هذه المواصفات فعليه أن يخبر مستهلكه بذلك، من السهل الخداع في المرة الأولى، لكن في المرات التالية سيكتشف المستهلك الأمر ويبتعد عن هذا الصناعة أياً يكن أهميته بالنسبة إليه، فهناك دائماً بدائل جاهزة لديه».

يعتقد بعض الصناعيين والتجار أن تقديم الصناعة الأقل جودة يمكن أن يحقق وفراً في تكاليف الصناعة نفسه، وبالتالي تحقيق أرباحٍ أكثر، إلا أن هذه المعادلة خاطئة، يقول الصناعي "محمود الداية" من صناعيي البلد القدامى في "اللاذقية": «على المدى القصير وليس البعيد، سوف يدفع الصناعي أو الحرفي نتيجة تصرفه هذا، وسوف تبتعد الناس عن منتجاته تدريجياً، وسيجد بالتالي نفسه في موضع الخاسر، إن خلت الصناعة أو الحرفة من الأخلاق والضمير فسوف تصبح مهزلة، والمشكلة أن تأثيرها على الناس كبير، لكن الناس لا يرحمون في نفس الوقت، فالقاعدة الذهبية تقول منذ قرون إن الصناعة الجيدة تطرد الصناعة السيئة من الأسواق».

وفي ظل انحسار الاستيراد وبالتالي قلة المعروض، أصبح المواطن "محصوراً ببعض هذه الصناعات ومكوناتها الداخلية، خاصة الصناعات الغذائية والكهربائية والألبسة وغيرها، وتبدو حلول المواطن محصورة بين اضطرار لاستخدام هذه الصناعات أو العزوف عنها إلى الصناعة الأجنبية؛ خاصة الصيني الذي يقدم طيفاً من الجودة يتراوح بين "الستوك والنخبوي" يضيف "الداية": «المعوقات الكثيرة التي تتعرض لها هذه الصناعة تتمثل في غياب القطع التبديلية عن منشآتها، عدا كون الاستقرار الاجتماعي والأمني عاملاً أساسياً في تطور أي صناعة فإن الحاجة إلى اليد العاملة التخصصية مشكلة مضافة بسبب الهجرة والانتقال من منطقة إلى أخرى».

من جهة أخيرة، فإن المنتجات المحلية التي تحمل علامة "صنع في سورية" كانت وما تزال تمثل علامة فارقة في تاريخ علاقة المستهلك المحلي مع صناعة وطنه، وعلى الرغم من عدة محاولات حصلت مؤخراً بنقل بعض الصناعيين معاملهم خارج البلد للاستمرار في أعمالهم، إلا أنه من الواضح أنه ما إن تهدأ الأحوال حتى يبدأ هؤلاء العودة إلى المناطق التي خرجوا منها.