كثيراً ما استخدم اسم الخوخ أو مفردته العامية "الخوخة" في الغزل الشعبي اللطيف ومنها الأغاني، وكانت مواسم قطافه مواسم للعشق والزواج.

ساعدت بيئة الساحل السوري الغنية بالأمطار على زراعة طيف واسع من الفواكه الموسمية القصيرة مثل الخوخ والدراق والبرقوق (من أنواع الخوخ الصغير الحجم) والمشمش وغيرها، ولكل منها حكايته مع الناس وعاداتهم، ليس في القطاف فقط، بل في سياق علاقة إنسانية شفافة نشأت مع الطبيعة منذ أقدم العصور.

عادة أغصان الخوخ معظمها رقيقة ولا تتحمل وزناً كبيراً حتى يتم الصعود إليها وقطافها، لذلك تستخدم السلالم لقطافها بشكل دائري حولها، ويتم وضع الثمار سريعة العطب في سلال قصبية، أو توضع في صناديق من الفلين الأبيض، من المهم الانتباه إلى فرز الثمار الناضجة جداً عن تلك الأقل نضجاً لحمايتها من الهرس ضمن الصندوق

ينمو الخوخ هنا في "بسنادا" (من القرى المحيطة بـ"اللاذقية"، 2كم عن مركز المدينة) مزروعاً في بعض البيوت، ومنهم من أقام له مزارع مثل المزارع "علي زمار" الذي أقدم على هذه التجربة الشجاعة منذ عقد وأكثر، يتحدث "علي" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 18 حزيران 2015، فيقول: «للخوخ أنواع كثيرة، منها ما هو مبكر في الإثمار ومنها ما يتأخر، والمبكر لا يتجاوز موسمه الشهر بعد نضجه، ومن أنواعه "أبو ريحة" و"الجوهرة" والأخير يتأخر في النضج إلى أواخر الصيف تقريباً، ويتميز الخوخ هنا بكثافة الإنتاج وغزارته على الشجرة الواحدة، ويبلغ الإنتاج التقريبي للشجرة الشابة حوالي خمسين كيلوغراماً ويباع بأسعار مقبولة».

السيد علي زمار

لا يحتاج الخوخ إلى أدوات خاصة للقطاف باستثناء السلالم، يقول "علي": «عادة أغصان الخوخ معظمها رقيقة ولا تتحمل وزناً كبيراً حتى يتم الصعود إليها وقطافها، لذلك تستخدم السلالم لقطافها بشكل دائري حولها، ويتم وضع الثمار سريعة العطب في سلال قصبية، أو توضع في صناديق من الفلين الأبيض، من المهم الانتباه إلى فرز الثمار الناضجة جداً عن تلك الأقل نضجاً لحمايتها من الهرس ضمن الصندوق».

أما القطاف فمن الأفضل أن يكون إما صباحاً أو مساءً، وصباحاً أفضل، يقول المهندس الزراعي "أنيس إبراهيم" من قرية "الدالية": «وذلك لكون الشجرة وأوراقها وثمارها مرنة لوجود الندى على الأوراق، ولا يفضل بالمطلق قطف الثمار ظهراً مهما كانت الظروف مخافة تكسر الأغصان وتخرب الثمار، كما يفضل عدم غسل الثمار إذا أريد إرسالها إلى السوق، ويتم ترتيبها في الصناديق حيث توضع الأقل نضجاً في الأسفل والأكثر نضجاً في الأعلى، وتغطى بورق خفيف من الشجرة نفسها فذلك يعطيها حملة ومنظراً جميلاً».

موسم الخير والعطاء

من طقوس قطف الخوخ أن الجني يكون جماعياً، يقول "علي": «وذلك لعدة فوائد عدا العلاقة الاجتماعية التي تنشأ في طقوس الجني، أيام زمان كان الخوخ علامة على الخير والبركة، وقطفه من قبل النساء والأطفال يترافق مع الغناء والأهازيج، تذكر الكاتبة "فريال الشويكي" في كتابها "تراثنا الريفي" أن هناك العديد من الأهازيج التي انقرضت من التداول، منها:

"يا شجرة الخوخا... عالدرب مكلوخا

قطاف الخوخ

العروس تلبس المخمل... والعريس يلبس الجوخا".

وتعني هذه الأهزوجة أن شجرة الخوخ "مكلوخة" أي منحنية بسبب ثقل الموسم، وأن العرس سوف يكون جيداً بسبب الموسم وبيعه الذي يحقق إيرادات طيبة، كما سوف تلبس العروس المخمل غالي الثمن ومثلها يلبس العريس الجوخ، ولا يخفى اللعب اللفظي بين الخوخ والجوخ، ومن الأهازيج المتداولة هنا ولم تنقرض بعد تشبيه خدود الفتيات بالخوخ المورد، فيقال: "خدودها خوخة" دلالة على الامتلاء واللون الأحمر القاني، وهي بذلك تكسب نقطة في سباق الزواج القادم.

وكالعادة، فإن تغيرات الأزمنة والأمكنة لم تترك كثيراً من هذه التقاليد الاجتماعية سوى النذر اليسير، فأغلب القطاف اليوم يتم عائلياً من دون وجود أحد خارج العائلة إلا ما ندر، ومع انتشار مختلف أنواع الزراعات إلا أن التوزيع على الجيران الذين لا يزرعون "الخوخ" ما يزال مستمراً، ففي ذلك -كما يقال- الخير والبركة ووقاية من الحسد والعين».