مثل كثيرين من السوريين يحلم "محمد زيني" بتجاوز مشكلته مع المصروف المتزايد يوماً إثر آخر، ويبحث في سبيل ذلك عن حلول تقيه شر العوز.

قام الشاب باستثمار محل ليفتتحه لبيع ألبسة "البالة" في مدينة "جبلة"، ثم بدأ ينسج علاقاته مع تجار المدينة لتأمين الألبسة المستعملة، يقول في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 حزيران 2015: «راتب الوظيفة لا يكفي بحال من الأحوال، وهو بالأصل لا يكاد يكفي لتأمين دفع القروض ومستحقات الحياة اليومية، لذلك فكرنا بافتتاح أي مصلحة تحتاج إلى خبرة قليلة، ورأسمالها قليل أيضاً، وكذلك فإن دوام المحل يحتاج أيضاً إلى شخص متفرغ بدوام جزئي نتعاون عليه فيما بيننا في العائلة».

تكلفة المشروع ليست كبيرة، ولا آثار سلبية له، فالبضاعة الموجودة لا تتلف في حين يمكن تدوير المتبقي لأشخاص يحتاجون إلى هذه الثياب

يوفر هذا المحل للعائلة جزءاً من مصروفها المتكاثر بسبب ارتفاع الأسعار الدائم، ويبدو أنه يقلل من الآثار السلبية لارتفاع الأسعار أيضاً، يقول "زيني": «تكلفة المشروع ليست كبيرة، ولا آثار سلبية له، فالبضاعة الموجودة لا تتلف في حين يمكن تدوير المتبقي لأشخاص يحتاجون إلى هذه الثياب».

محمد زيني

هذه الحالة هي حالة كثيرين يبحثون عن عمل ثانٍ لتأمين حياة بمستوى مقبول بعد الغلاء الفاحش في أسعار كل المواد الموجودة في السوق وربط التجار لها مع ارتفاع سعر الدولار، يقول الشاب "محمد أبو بالا" صاحب محل في منطقة "جورجانا" إن المشكلة وهي الربط مع الدولار، «قد أصبحت "علكة" دائمة لكل التجار الكبار المتحكمين بالسوق، وهم يقررون الأسعار فيما نحن -التجار الصغار- مضطرون للالتزام بأسعارهم والتخفيف من نسبة الربح التي كانت سابقاً، كنموذج: كانت سابقاً أرباح مواد التنظيف بحدود 30-35%، أما اليوم مع كل هذا الارتفاع في الأسعار ومشكلات النقل بين المحافظات وصعوبة تأمين هذه المواد، فإن نسبة الربح قد انخفضت إلى 15-20%، وهذا العبء يقع على الناس وهم من يدفع الثمن من دون وجود أي رقابة إلا نادراً».

لم تعد الرواتب الوظيفية تكفي بالكاد بضعة أيام، ففروق الأسعار والصرف في الحياة اليومية أصبحت كبيرة، وهذا ما أثر في حركة الأسواق وفي الشراء لكثير من المواد التي تحولت إلى مواد غير ضرورية، في حين يمارس المواطن تقنيناً على كل حاجياته.

عيسى اليوسف

وبالمقابل أثرت الأزمة الراهنة -لا شك- بأحلام أجيال بكاملها، فارتفاع الأسعار في كل شيء، قد جعل من الصعب تأمين الحاجات الأولية التي كانت متيسرة قبل الأزمة، فبالنسبة مثلاً لشريحة الطلاب الجامعيين، يبدو المستقبل مرهوناً بالاعتماد على الذات بوجه أساسي، يقول الطالب "خضر المقصود" - طالب اقتصاد سنة ثالثة: «إن تأمين هذه الحاجيات اليومية هاجس كبير يؤثر بالدراسة وبقطاعات أخرى.

ما نحتاج إليه لحل هذه المعضلة يكمن في الكثير من الإجراءات التي يجب على الدولة والمواطن القيام بها، وعلى رأسها مراقبة ذوي النفوس الضعيفة التي تستغل هذه الأزمة لتنمية ثرواتها المتضخمة أصلاً، عدا ضرورة ربط الأجور بالأسعار لكبح التضخم الحاصل».

صالة لبيع المواد الغذائية

يضيف "مقصود": «الآلية اللازمة هي توجيه مراكز الدولة لبيع هذه المواد وغيرها بأسعار منافسة معتمدة على البيع الكمي بالمقابل، علماً أنه تتوافر في كثير من هذه المراكز المواد التي يحتاج إليها المواطن».

من مراكز الخدمة في مدينة "دمشق" على سبيل المثال، صالة "المزة القديمة" التابعة للدولة، يقول السيد "عيسى اليوسف" رئيس الصالة المذكورة: «نعمل جاهدين لنؤمن للمواطن احتياجاته الغذائية قدر الإمكان بجودة عالية، وأسعار منافسة بنسبة 10 أو 20% أقل من الأسواق العامة والمحال التجارية التي تقوم بمحاربة المواطنين في لقمة عيشهم، وخاصة في بعض المواد التي عانت مؤخراً من مشكلات الاستيراد والنقل بين المحافظات بسبب إغلاق العديد من الطرق المؤدية إليها لعدة أيام، الأمر الذي سبب انخفاضاً في الكميات المطروحة بالأسواق وزيادة في الطلب في نفس الوقت مؤدياً إلى رفع أسعارها، أما في المؤسسات فتخضع المواد الغذائية إلى الرقابة الحكومية وتتوافر دائماً وبالكميات المطلوبة وبأنواع متعددة وأسعار مقبولة، خاصة الأرز والسكر».

يبدو في النهاية أنه لا بد للمواطن دوماً من الاعتماد على دعم الدولة في ظل تراجع الدخول إلى حدود غير معقولة تبعاً لتأثيرات الأزمة الراهنة.