"شْكارة، شَلف، شَربكة، شَمط، شَفّى، شَحط، تْشَطح، شفط"، ليست مجرد كلمات القاسم المشترك بينها هو حرف الشين، فهي مصطلحات اللغة السورية القديمة التي ظل آباؤنا يستخدمونها حتى أيام خلت، وكانت القاسم المشترك في حديث أهل الساحل السوري.

وقد كثرت هذه الكلمات وبلغ عددها أكثر من 1000 كلمة بعضها اندثر وبعضها مازال مستخدماً في بعض القرى خصوصاً تلك الريفية البعيدة منها، فمختار قرية "بطموش" السيد "محمد يوسف" وهو رجل سبعيني، مازال يستخدم الكثير من هذه المفردات أو المصطلحات في حديثه، وكذلك المحيطون به، بينما أهالي الريف الذين سكنوا المدن منذ سنوات فقد تراجع استخدامهم لهذه الكلمات إن لم يكن تلاشى، وبات استخدامها فقط لـ"النكتة".

هذا اللسان الأول لا نعلم عنه أو عنها شيئاً، والجهود التي بذلها المؤرخون وعلماء اللغة لمعرفة شيء يقيني عنه أو عنها ذهبت أدراج الرياح، واقتنعوا أخيراً أن من العسير الوصول إلى تحديد اللغة الأم التي تفرعت عنها هذه الألسن، ومن العبث إطالة البحث في أمر غامض مجهول نشأ ونما في عصور سبقت العصور التاريخية

وقد كانت هذه الكلمات سبباً لآلاف البسمات التي رسمت على وجوه جمهور أفلام "عبد اللطيف عبد الحميد" من "رسائل شفهية، قمران وزيتونة، ليالي ابن آوى،.. إلخ"، وكذلك كان بعضها جزءاً من مسلسل "ضيعة ضايعة" الذي كتبه "ممدوح حمادة"، وقد عمل مخرج المسلسل على كتابة ترجمتها على الشاشة، وهو ما كان سبباً في خلق جوٍ من الفكاهة حسب تعبير الفنان "حسين عباس" من أبطال العمل، باعتبار أنها كلمات غريبة عن أيامنا هذه وقلّ عدد مستخدميها، ويضيف "عباس" في تصريحاته لمدونة وطن "eSyria" في 9 أيار 2015: إن ترجمة هذه المصطلحات ساهمت في تعريف الأجيال الجديدة بها.

الفنان حسين عباس

اللافت أن هذه الكلمات التي يحسبها الباحثون التراثيون مثل "عدنان صالح" من اللغات السورية القديمة، غير محددة فيما لو كانت "آرامية" أم "كنعانية" نظراً لما يقولون عنه شدة التداخل بين اللغتين، ويقول ابن منظور في لسان العرب كان الكنعانيون يتكلمون بلغة تضارع العربية، ويقول د "محمد بهجت القبيسي" في كتابه ملامح في فقه اللهجات العربيات: بلغ التقارب اللغوي بين العدنانية والآرامية درجة 86%، وبين الكنعانية والعدنانية 92%.

هذه المصطلحات ارتبطت بمختلف جوانب الحياة الريفية، يقول "معلا ابراهيم" من قرية "خرائب سالم" لمدونة وطن "eSyria": «معظم الكلمات أو الأفعال المستخدمة حالياً لم تكن شائعة في محيطنا قبل عشرين عاماً وأكثر، حيث كنا نعتمد كلمات نسميها ريفية، وعلى سبيل المثال: (نطّ أي قفز، تشطح وتعني استلقِ، شكارة وهي قطعة الأرض، شفط أي تمادى في الكذب)، وبعضهم إلى الآن يستخدمون ما يدل عليها، فإذا كان بعض الأشخاص مجتمعين وكذب أحدهم يقولون له: "حاج تشفط ولو"؛ أي كفى كذباً».

الباحث عدنان صالح

يقول الدكتور "جرجي كنعان" في كتابه "تاريخ الله" إن محاولة البحث عن اللغة الأم أو اللسان الأول أمر عبثي، ويضيف: «هذا اللسان الأول لا نعلم عنه أو عنها شيئاً، والجهود التي بذلها المؤرخون وعلماء اللغة لمعرفة شيء يقيني عنه أو عنها ذهبت أدراج الرياح، واقتنعوا أخيراً أن من العسير الوصول إلى تحديد اللغة الأم التي تفرعت عنها هذه الألسن، ومن العبث إطالة البحث في أمر غامض مجهول نشأ ونما في عصور سبقت العصور التاريخية».

يتابع: «ربما كان اللسان العربي القديم (اللغة العربية الحالية) أقرب الألسن السورية العربية إلى اللغة الأم التي تفرعت منها هذه الألسن؛ فالصحراء العربية تؤلف ما يسميه علم اللغات وعلم الأجناس، منطقة محمية، فهي أقل أجزاء منطقة الشرق المتوسطي اتصالاً بغيرها، وأقلها تأثراً بما يدور حولها. وهذا الوضع يؤدي إلى المحافظة على اللغة والجنسية.

وهكذا في اللسان العربي في موطنه صافياً أو أصفى من الألسن الأخرى التي بدت فيها تأثيرات البيئات الجديدة التي توزع فيها أو هاجر إليها أصحاب هذه الألسن».