قلبت مواقع التواصل الاجتماعي كثيراً من المعايير الاجتماعية فوضعت أفكارنا في مواجهة حقيقية مع الواقع، ولجأ بعضهم إلى الأسماء المستعارة هرباً من معاركه أمام المجتمع الحقيقي.

تبدأ تلك العلاقة مع مواقع التواصل من الاسم الذي يجب أن يكون حقيقياً وفقاً لنموذج التسجيل المعتمد فيها، على أن هذا الطلب الخجول لا يمنع التسجيل بأسماء لا تفهمها خوارزميات المواقع على أنها وهمية، ومنها مثلاً: "زهرة الجبل"، و"بسمة نيسان"، وغيرها، بعد الاسم تأتي شبكة العلاقات مع العالم الافتراضي إياه بصور مختلفة ومجموعات حوارية و"بوستات" و"وول" وغيرها مما أصبح من لغتنا الدارجة للأسف.

أملك حساباً حقيقياً أستخدمه مع أهلي وأقاربي ومعارفي الذين يتعاملون معي على أساس شخصيتي التي لا أحبها، في حسابي الوهمي لدي عالم جميل يتفق مع رغبتي وأفكاري

لماذا الأسماء المستعارة تلك؟ في السؤال إجابة ربما، "مستعارة"، هرباً من "شيء ما" لا يستطيع صاحب الاسم أو صاحبته البوح به فعلياً على جدران تلك المواقع، يقول الكاتب والسيناريست "زياد العامر" في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 آذار 2015، إن السبب يرجع إلى أن المجتمع الافتراضي نفسه له تقاليد تكاد تشبه الواقع الحقيقي ويمثل -خاصة في ظل معرفة الناس لمن هم على هذه المواقع واقعياً- حالة ضغط اجتماعي في ظل تداخل العلاقات الاجتماعية لدينا.

الكاتب زياد العامر

يضيف "زياد" قائلاً: «يلعب الخوف دوراً رئيسياً في اختيار هذه الأسماء، يرى بعضهم أن اختباءه وراء اسم مستعار يحقق له الحرية الكاملة في التصريح عما يريد دون خوف الوقوع في مشكلات واقعية، وقد حدثت هذه المشكلات الواقعية لعدد من الأفراد لهذا السبب أو ذاك، خاصة الأشخاص الذين لديهم شأن ثقافي أو سياسي في المجتمع، وفي ظل غياب ثقافة الرأي واحترام الرأي المختلف سوف تبقى هذه الظاهرة موجودة في العالم العربي يا للأسف».

من يختارون الأسماء المستعارة لا يختارونها عبثاً، فـ"الاسم دليل صاحبه إن ضاع"، بتعبير الشاعر "محمود درويش"، وكل اسم يعبر عن حالة الشخص بكثير من العناية، تقول سيدة اختارت لنفسها لقب "المتمردة الشقراء" إنها اختارت الاسم لأنه يتيح لها التحدث بكل حرية ودون خطوط حمراء تقف عندها، وفي مختلف المواضيع التي ترغب حتى تلك التي يعدها المجتمع "تابوهات محرمة"، في حين إنها في الواقع شخص خجول وتخاف من الدخول في هذه "المعمعات"، وأضافت: «أملك حساباً حقيقياً أستخدمه مع أهلي وأقاربي ومعارفي الذين يتعاملون معي على أساس شخصيتي التي لا أحبها، في حسابي الوهمي لدي عالم جميل يتفق مع رغبتي وأفكاري».

تواصل على تويتر نفس القصة

في نفس الوقت، هناك من يعد هذه الحسابات الوهمية مصدراً للشك والتجسس والنفاق والكذب معاً، يقول الشاب "خضر مقصود" (طالب جامعي) إن هذه الحسابات أول ما تثير الشك بأصحابها الحقيقيين، قد يكون لهم عذرهم في بعض الأحيان، إلا أن الأغلب عكس ذلك، فيكون الشك في كل ما يكتبون ويعلقون على صفحاتهم، وأضاف: «عندما أتلقى طلباً باسم مستعار، أول ما أفعله هو سؤال صاحب الطلب للتعريف عن نفسه، وإيجاد طريقة للتصريح عن شخصه، كأن يكون رقم هاتف مثلاً، السبب الرئيس هو التأكد من يكون هذا الشخص، ولماذا يلجأ إلى الاسم المستعار؟ قد يكون في تعريفه عن شخصيته تهديداً لحياته؛ وهذا ممكن في ظل الظروف الراهنة، ولكن في حال لم يستجب لهذه الشروط فإنني لا أقبله عندي، فمن يكذب في أبسط شروط العلاقة الإنسانية -ولو كانت هنا افتراضية- لن يكون صادقاً في علاقته مع الآخر واقعياً ولا افتراضياً».

يعد بعض الباحثين أن هذا الأمر يكشف عن أنساق فكرية ومعرفية واجتماعية مهمة، خاصة في منطقتنا المشرقية التي تعاني الكثير من "التابوهات" الاجتماعية، يقول الباحث "عيسى الصباغ" في مقال له: «من الملاحظ أن المشتركين في هيئات التواصل الاجتماعي، الفيسبوك وغيره من النوافذ الأخرى يطلقون على أنفسهم تسميات لها علاقة بحصيلة تجاربهم في الحياة، ومستعارة منها، وهو الأغلب، في حين هناك من يعلن عن اسمه الصريح، ولا سيما العاملون في حقول السياسة والثقافة والمعرفة على وجه العموم. ولا يخفى على أحد أن هؤلاء إنما يبغون توسيع دائرة الاهتمام بهم، وبما يدعون له، بحسب انتماء كل أحد منهم. أما الأسماء المستعارة فيكمن أن يكون تحت استعارتها دلالات ومقاصد، ذلك أن إخفاء الاسم الحقيقي، وإظهار المستعار، ينطوي على مراد تعبيري، ليس في الإخفاء فحسب، وإنما في ظهور المستعار، ذلك أنه خطاب واستراتيجية في نفس الوقت، الأسماء المستعارة التي يعبّر المشتركون بها عن أنفسهم، بوصفها خطاباً موجّهاً إلى الآخرين، تتضمّن دلالات ومعانيَ تعكس طبيعة المشترك، وتكشف عن بناه الفكرية والعاطفية».

وراء الكواليس

وقد حاولت مواقع التواصل الربط بين الاسم والشخصية الحقيقية عبر اعتماد رقم الهاتف للشخص المعني كمؤكد على وجوده الواقعي، على "أنها سمحت في نفس الوقت بربط عدة حسابات برقم واحد، من هنا فإن هذه المعضلة سوف تبقى موجودة وليس في المجتمعات العربية فقط، خاصة أن هذه المواقع تحولت إلى منابر قوية تستخدم سياسياً واجتماعياً لتحقيق غايات كثيرة منها نشر الإشاعات والأكاذيب وحتى الوصول إلى القلقلة المجتمعية لمجتمعات تتأثر بسرعة بهذه الأخبار لكونها غير محصنة نفسياً ولا فكرياً".

هناك الكثير مما يمكن الحديث به عن هذه الجدلية، ولكن الأهم أنها تمثل فسحة افتراضية لنثر رغبات مكبوتة مجتمعياً لهذا السبب أو ذاك.