تعد معركة البودي من أشهر المعارك التي خاضها السوريون في الساحل ضد المستعمر الفرنسي، وقد دفعوا على إثرها ثمناً غالياً وأحرقت بيوتهم عدة مرات، وقد تميزت بدور المرأة فيها.

أهالي قرية "البودي" بريف "جبلة" يفاخرون كثيراً بهذه المعركة، ويقول المختار "عبد الحميد رسلان" في حديثه لمدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 9 كانون الثاني 2015، عن المعركة: «بعد احتلال "لبنان" من قبل القوات الفرنسية، وجه الجيش الفرنسي حملاته باتجاه الساحل السوري، إحدى هذه الحملات توجهت نحو قرية "البودي" عن طريق "مقص جبلة"، ثم "طبرجة" و"عين شقاق"، انتقالاً إلى "كرم فوزي" وصولاً إلى القرية، وعندما علم الأهالي بقدومها تجمعوا مع أهالي القرى المحيطة (العرقوب، جرماتي، حرف المسيترة،... إلخ)، وشكلوا جبهة مقاومة للدفاع عن هذه البقعة من الوطن السوري وانضموا إلى صفوف المقاتلين بقيادة الشيخ "صالح العلي"».

كان والدي ينسق مع المجاهد الشيخ "صالح العلي" من أجل القيام بالعمليات العسكرية وتدريب المقاتلين لمواجهة المستعمر، لقد كانوا بحاجة إلى الكثير من السلاح لكي يتمكنوا من مواجهة حملة يزيد تعداد جنودها على 1000 جندي مدججين بالسلاح ومعهم مدافع تجرها الخيول

المقاتلون تمركزوا مع أسلحتهم القليلة والبسيطة في مقدمة القرية وتحديداً في المنطقة التي تسمى "الميدان" حالياً؛ (يعتقد أنها حصلت على التسمية لكونها كانت ميداناً للمعركة)، وعزموا ألا يسمحوا للحملة بدخول القرية إلا على أجسادهم؛ فلا مكان للمحتل في منطقتنا.

بقايا بيوت الفرنسيين

يقول "رسلان": «تقدمت الحملة ووصلت إلى أسفل الوادي واصطدمت مع الثوار الذين استطاعوا إيقاف تقدمها وإجبارها على التراجع، فانسحبت والتفت على القرية من جهة الشمال لكنها وجدت المقاومين بانتظارها ودارت معركة ضارية سقط خلالها عدد من الشهداء وقتل وجرح عدد من أفراد الحملة، وبعد عجزها عن الدخول من جهة الشمال توجهت الحملة بالكامل نحو الشرق وصوبت كافة أسلحتها نحو القرية وأهلها، وتمكنت من الدخول بعد مقاومة شرسة من قبل أهالي القرية ومقاتليها الذين انسحبوا منها واحتموا في منطقة تسمى حرشة (غابة) "البودي"؛ وهي المنطقة التي عجز الفرنسيون عن الوصول إليها وكان جنودهم يخشون الاقتراب منها».

ويضيف "رسلان": «حرشة "البودي" تحولت إلى غرفة عمليات يتم فيها التحضير للهجوم المباغت على مركز إقامة الحملة، حيث إنها أي الحملة وبعد احتلالها للقرية وحرقها لمنازلها نتيجة كره الفرنسيين للسوريين حطت رحالها في منطقة "ظهر البير" شرقي القرية وجعلتها معسكراً لها، فما كان من الثوار إلا أن بدؤوا القيام بعمليات خاطفة يقتلون خلالها بعض الجنود ويسرقون أسلحتهم لكي يدافعوا بواسطتها عن وطنهم ضد الجيش المستعمر».

"عبد الحميد رسلان" مختار البودي

قاد الثوار في منطقة "البودي" المجاهد "إبراهيم صالح دوبا" وكانت زوجته خير معين للثوار؛ حسب ما تحدثت ابنته "وجيهة إبراهيم صالح دوبا"، حيث قالت: «كان والدي ينسق مع المجاهد الشيخ "صالح العلي" من أجل القيام بالعمليات العسكرية وتدريب المقاتلين لمواجهة المستعمر، لقد كانوا بحاجة إلى الكثير من السلاح لكي يتمكنوا من مواجهة حملة يزيد تعداد جنودها على 1000 جندي مدججين بالسلاح ومعهم مدافع تجرها الخيول».

وتضيف "دوبا" في لقاء سابق معها: «كانت أمي تساعد الثوار وتأخذ لهم الطعام والشراب وتغسل لهم الثياب إيماناً منها بأهمية الوطن وضرورة الدفاع عنه، وكثيراً ما حدثتنا قبل وفاتها عن خيانة الحلفاء الأوروبيين لنا وغدرهم بالشريف "حسين" والملك "فيصل"، وكانت توصينا بعدم محبتهم أبداً، وتقول لنا: لقد أحرقوا منازلنا وسرقوا محاصيلنا وسعوا لتجويعنا ونهبوا خيراتنا.

لقد كانت أمي شجاعة بشهادة كل أهل القرية، وكانت تحمل بارودتها الألمانية كل يوم في الليل وتذهب إلى الغابة لكي توصل الطعام لأولئك الذين دافعوا عن أرضهم وضحوا بدمائهم من أجلها».

الأدب الشعبي لم يغفل تلك المرحلة وخصص لها أغنية استطعنا الحصول على مقاطع منها نظراً لعدم وصولنا لمن يحفظها بالكامل، وتقول المقاطع التي غنتها لنا السيدة "أنيسة بركات": "الشيخ صالح علي مين قدو، الله يرحم بيو مع جدو، عسكر لفرنسا ردو، دَبُّن ببحر المالح، الشيخ صالح علي مين عانو، الله من عندو عان"».

وفي مقطع آخر موجه لقائد الثوار في البودي "إبراهيم صالح دوبا":

"إبراهيم صالح يا غاوي، ويا ركاب الخضراوي، لما سحب مرتينو، قاتل 100 نساوي..".

يذكر أن منطقة الساحل السوري شهدت الكثير من المعارك ضد المستعمر الفرنسي، منها: (عين فتوح، الأجرد، وادي ورور، ..... إلخ).