للحياة في مركز الإيواء طعم آخر، يختلف كلياً عما يتذوق المرء في بيته وبين أهله وناسه، هنا عيش الضرورة القصوى الذي يغير حياة الإنسان من حال إلى حال مضطراً إلى التكيف مع ظروفه الجديدة.

عبر سنوات الأزمة الراهنة غادر كثيرون من السوريين منازلهم لهذا السبب أو ذاك، بعضهم، أو ربما معظمهم تركوها مضطرين حفاظاً على حياة عائلاتهم وأطفالهم قبل حياتهم، ومع الاستقرار الجديد بدأت حياة جديدة ومتطلبات جديدة وحاجات لم يقدروا على تأمينها فلجؤوا إلى أساليب وأسباب كثيرة لتأمينها.

كنت أعمل في الزراعة، ولدي محاصيلي السنوية من قمح وقطن وشوندر، واليوم لم يعد لدي أي مورد رزق، كان لدي سيارة خاصة، ولم أتمكن من إحضارها إلى هنا، لذلك قمت بتحويل شهادتي الخاصة، وعملت اختبار العمومي، ثم نلت شهادة السوق العمومية بعد دفع مبلغ عشرة آلاف ليرة سورية استدنتها لأعمل اليوم على سيارة الأجرة هذه، تحسنت الأمور ولكن تبقى الحياة بهذه الطريقة -أي هنا- عبئاً كبيراً علينا وعلى أطفالنا، ونتمنى الرجوع إلى بيوتنا بأسرع وقت

في "اللاذقية" يوجد رسمياً نحو عشرة مراكز إيواء، توزعت أماكنها حسب الظروف التي قادت شاغليها إليها، تقول السيدة "كوثر زعرور" (24 عاماً) من "خان العسل ـ حلب": إنها وصلت إلى المدينة مع اندلاع الأحداث في منطقتها فغادرتها هي وعائلتها المكونة من طفلين وزوجها الذي كان يملك معملاً لصناعة البلاستيك. تضيف في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 شباط 2015: إنها قد استقرت في "سكن الشباب" -على أوتوستراد الثورة- في بيت غير مكتمل البناء، ينقصه الشبابيك والأبواب، وهو ملك للدولة، وهي وعائلتها لم تستطع استئجار بيت نظامي لأنه لم يبق لهم شيء، فقد تدمر منزلهم ومعملهم وأحرقت محالهم في "خان العسل".

أثناء توزيع مواد في "جهاد ماشي"

لم تكن الحياة الجديدة تلبي متطلبات الحياة التي كانت سابقاً، فهناك نقص في كثير من المواد الأولية ومتطلبات السكن اللائق؛ ومنها الصرف الصحي والمياه والكهرباء، تضيف السيدة "زعرور" قائلة: «في البداية بقينا أياماً لا نعرف كيف نتصرف، ثم بدأنا العمل على أننا سوف نحيا هنا لوقت قد يطول أو يقصر، ولا بد لنا من تأمين هذه الضروريات خاصة للأطفال الذين تعودوا نمط حياة معيناً، ومدارس، وغير ذلك من متطلبات، قمنا بتجهيز البيوت بما يقينا من البرد بالدرجة الأولى ما أمكن، غطينا النوافذ والأبواب بالنايلون بينما يتوافر لنا من يغلقها بالخشب أو الألمنيوم، ثم أمنا الأغطية والفرشات من الجمعيات والمنظمات الأهلية هنا، مثل: الهلال الأحمر، والصليب الأحمر، وبعض المتبرعين، ثم أدوات الطبخ والأكل والمنامة وما إلى ذلك».

أثرت هذه الحياة الجديدة في الجميع، وفي ظل غياب للأشغال التي يمكن أن تساعد انتقل الكثيرون من أعمالهم الأساسية إلى أعمال جديدة أقل في المردود أغلب الأوقات، وأغلبها لا يتطلب الخبرة ولا التجهيزات، يقول السيد "أديب درويش" (من منطقة قريبة إلى "خان العسل")، وهو يعمل حالياً على سيارة أجرة: «كنت أعمل في الزراعة، ولدي محاصيلي السنوية من قمح وقطن وشوندر، واليوم لم يعد لدي أي مورد رزق، كان لدي سيارة خاصة، ولم أتمكن من إحضارها إلى هنا، لذلك قمت بتحويل شهادتي الخاصة، وعملت اختبار العمومي، ثم نلت شهادة السوق العمومية بعد دفع مبلغ عشرة آلاف ليرة سورية استدنتها لأعمل اليوم على سيارة الأجرة هذه، تحسنت الأمور ولكن تبقى الحياة بهذه الطريقة -أي هنا- عبئاً كبيراً علينا وعلى أطفالنا، ونتمنى الرجوع إلى بيوتنا بأسرع وقت».

أطفال في مركز إيواء

في مركز إيواء الشهيد "جهاد ماشي" (أول منطقة "دمسرخو" طريق "كرسانا")، يوجد عشرات العائلات النازحة من ريف "اللاذقية" التي كان تدبير أمورها على العموم أسهل من الوافدين من مناطق بعيدة بسبب القرابات لدى الكثيرين منهم هنا، على أن هذه الأمور لم تلغِ الحاجة الماسة لهؤلاء المهجرين إلى تأمين لقمة عيش نظيفة لهم ولأولادهم، يقول السيد "جهاد إسكندر" من منطقة "أوبين" في ريف "اللاذقية"، وقد أضاف هؤلاء إلى طقوسهم اليومية البحث عن عمل يقيهم عوز السؤال.

هناك الكثير من الأعمال التي قام بها المهجرون لحفظ ماء الوجه، فهنا، وفي غير مراكز، عمل الجميع مع بعضهم بعضاً لتأمين مصادر مياه دائمة، وحمامات، تقول الآنسة "باسمة فرحات" التي عملت في المركز ضمن مبادرة حملت اسم "بادر": إن الأهالي عملوا على تنظيف وتنظيم الحمامات ضمن أدوار تتيح للجميع الاستفادة الدورية من المياه والحمامات، عدا ذلك، فقد قاموا بترك قاعة ضمن مركز الإيواء لتدريس الأطفال الصغار فيها.

وفي الوحل نسير