لم يعد خافياً على أحد الدور الكبير الذي تلعبه شبكات التواصل في تكوين العقول والمجتمعات، خاصة تلك التي ما زالت في تطور تكوين هويتها الحداثية العصرية كمجتمعاتنا.

لقد أحدثت مواقع التواصل الاجتماعي تطوراً كبيراً ليس في تاريخ الإعلام فقط، بل في حياة الأفراد على المستوى الشخصي والاجتماعي والسياسي، وأصبحت تمثل عالماً متكاملاً يفتح الباب على مصراعيه للأفراد والتجمعات والتنظيمات بمختلف أنواعها، لإبداء آرائهم ومواقفهم في القضايا والموضوعات التي تهمهم بحرية غير مسبوقة، واستطاعت هذه المواقع أن تمد المواطنين بقنوات جديدة للمشاركة في الأنشطة المجتمعية بكافة أنواعها، وعند الشباب تحديداً، وهم أكثر الفئات اشتغالاً وشغلاً في هذه الوسائل، فإلى أي درجة مثلاً ساهمت في تغيير عقليات هؤلاء للاندماج المعكوس مع المجتمع في التنمية الاجتماعية؟

إن هذه الوسائل قد عرّفته جوانب مخفية من الحياة؛ وهي أن هناك أشخاصاً يحتاجون إلى المساعدة وهي قادرة على تقديمها بمختلف الطرائق الممكنة؛ فالتطوع لتنظيف شارع أو لدهان جدران مدرسة، أو لتقديم الإعانات إلى المهجرين عبر قنوات كانت مجهولة له

تسببت هذه الشبكات في دفع العديد من الشباب إلى الدخول في عمليات المساعدة الاجتماعية، والتطوع لخدمة المجتمع، في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 كانون الأول 2014، يقول المدرس "إيهاب ريحان" (مدرس جغرافية، وعمل سابقاً مع جمعيات تنموية): «إن هذه الوسائل قد عرّفته جوانب مخفية من الحياة؛ وهي أن هناك أشخاصاً يحتاجون إلى المساعدة وهي قادرة على تقديمها بمختلف الطرائق الممكنة؛ فالتطوع لتنظيف شارع أو لدهان جدران مدرسة، أو لتقديم الإعانات إلى المهجرين عبر قنوات كانت مجهولة له».

المدرس إيهاب ريحان

ويضيف: «عبر علاقات جديدة مع أصدقاء جدد، تعرفت هذا العالم الذي ينقل صورة الواقع إلى الافتراضي، ينقل صورة الأعمال التي تنفذ على أرض الواقع ليراها كل الناس، وأنا منهم، وجدت الناس مهتمين ومقدرين لهذه الأعمال، ويعطونها قيمة عليا في حياتهم، تشجعت للحوار معهم ومن ثم اقتنعت بما يقدمون، وبدأت أعمل معهم على أرض الواقع، واليوم بعد مضي عامين وأكثر على هذه التجربة، أشعر بأن هذه الشبكات قدمت لي معنى لحياتي وعلاقاتي بالناس السوريين؛ اكتشفت أنهم رائعون، وكم نحن نحتاج إلى التضامن معاً من أجل خير هذه البلاد».

"وبالنسبة للوسائل الحديثة استفادت الجمعيات -مثلاً- في عملية الجذب والعرض للمواد المختارة من قبل هذه الجمعيات، لكن لا بد من متابعة عملية الاستفادة من وسائل الواقع الافتراضي؛ فهي تحتاج فكراً يدعمها ومتابعة لرغبات الناس وحاجاتهم، والاستفادة من طروحاتهم أيضاً"؛ يضيف السيد "ريحان".

المهندسة سحر حميشة

تكمن ميزات هذه الشبكات الرئيسة في أن الإرسال فيها ليس أحادي الاتجاه، فقد تم نسيان ما يسميه علم الاجتماع "حارس البوابة"، فالبث أصبح ثنائياً وثلاثياً وحتى يمكن عقد مؤتمر افتراضي ينتهي إلى الانتقال إلى الواقع أحياناً كثيرة، تقول الآنسة "نور الزمان حيدر" من فريق "قطرات ملونة" في حديث سابق معها: «أصبحنا نعقد اجتماعاتنا افتراضياً، ننسق للجلسات بالكامل بما في ذلك جدول أعمالنا عند الرغبة بتنفيذ نشاط اجتماعي معين، ندرس مختلف الحالات التي يمكن أن ننفذ به النشاط والفكرة واقعياً، الأهم من هذا دعوة الناس للمشاركة الفاعلة في إغناء النشاط عبر ما يعرف باسم "الحدث"؛ حيث يمكن توجيه الدعوات إلى آلاف الأشخاص لحضور النشاط، ومن ثم يمكن تقدير العدد الحاضر؛ وهو ما يعني لوجستياً أننا نستطيع التحكم في سير العمل إياه».

تغيير ثقافة العلاقة مع المجتمع هي أولى نتائج هذه الشبكات؛ فقد أصبحت هذه الثقافة مبنية في جزء منها على أحقية هذه الشرائح في تقديم رؤية خاصة بها لخدمة المجتمع؛ لا ترتبط بمؤسسات الدولة بالمعنى الأبوي، بل تتشارك مع هذه المؤسسات في تقديم صورة جديدة فاعلة وحية للمجتمع، تقول المهندسة "سحر حميشة" مديرة الجمعية الوطنية لإنماء السياحة في "سورية": «الجمعيات الأهلية تمثل المجتمع المدني أمام الدولة على اختلاف تخصصاتها، وقد وجدت لتكمل عمل الدولة بالمجتمع لا لكي تكون عبئاً عليها، ولكن هذا لا يلغي مسؤولية الدولة أمام هذه الجمعيات وخصوصاً في بداية تأسيسها، وقد ساعدت شبكات التواصل الاجتماعي في تبيان الصورة الحقيقية التي ظهرت بها هذه الجمعيات عبر سنوات الأزمة الراهنة، فقد تمكنت الجمعيات الأهلية من الوصول إلى المواطن وتقديم مختلف الخدمات والأفكار، وأتحدث هنا عن بعض الجمعيات وليس جميعها؛ إذ إنه في خضم الأزمة اخترق الفساد بعض الفرق والجمعيات ولم تكن على قدر الثقة التي منحتها الدولة لها، هذه الصورة وصلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى كثير من الأماكن والشخصيات، وكذلك استقبلت مختلف الأفكار ونقلتها إلى أرض الواقع، لا أتحدث هنا فقط عن تنظيف شارع أو دهان حائط مدرسة أو زراعة شجرة في شارع، هناك الكثير مما يتعلق بما يحدث حالياً في البلد، إغاثة وإيواء وإطعام ورعاية اجتماعية وغير ذلك، ولا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي قد ساهمت في خلق هذه الجسور بيننا وبين الناس بأحسن ما يكون، فقدد استمعنا إليهم واستمعوا لنا، وتلقينا منهم شكاويهم برحابة صدر وتفهم، كما أنهم تقبلوا وجهة نظرنا في كل أعمالنا».

شبكات افتراضية للواقع

إذاً، فإن هذه الشبكات قد ساعدت في بناء حلقات تواصل جديدة، ساهمت في تمكين أدوار جديدة لأناس فاعلين في المجتمع استطاعوا عبر نشاطاتهم الواقعية تحريك الكثير من الطاقات إلى اتجاهها الصحيح.