قبل الأزمة الراهنة في البلاد كان هناك أكثر من مليونين ونصف مليون شقة فارغة معروضة للإيجار أو البيع، ولكن مع الوضع الراهن تغيرت الصورة كثيراً، وبتنا بحاجة ماسة لحلول تتعلق بارتفاع أسعار الاستئجار.

الصورة الراهنة للمسألة تتعلق بوجود عدد كبير من المهجرين من مناطق مختلفة إلى المناطق الأقل توتراً، وفي هذا كانت المدن الكبرى هدفاً رئيسياً لكل المتضررين من الأزمة، ولم يتوقف النزوح إليها فقط، بل شمل كل القرى والبلدات والأحياء الشعبية التي لا تعدم اليوم تواجد مهجرين من محافظات بعيدة ومن مختلف الشرائح الاجتماعية.

بعض التجار من عديمي الرحمة والضمير يستغلون حاجة الناس فيرفعون الأسعار، ويطلبون سنة سلفاً، كذلك شهر مقدماً لأجار الكهرباء والمياه، المشكلة أنه ليس هناك قانون يقدر على ضبط هذه الحالة، وهي علاقة بين المؤجر والمستأجر فقط

اليوم انقلبت الصورة القديمة للإيجار كلياً، يقول السيد "محمد جبري" وهو مستأجر في مدينة "اللاذقية" منذ ثلاث سنوات قادماً من "حلب" في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 كانون الثاني 2015: «في أحياء "اللاذقية" الشعبية، مثل: "الدعتور"، و"بسنادا"، و"الرمل الجنوبي"، و"السكنتوري"، وغيرها، تتواجد بيوت يمكن تصنيفها ضمن السكن المتوسط الحال، كانت أجورها قبل الأزمة لا تتجاوز الخمسة آلاف ليرة سورية لبيت مساحته بحدود المئة متر، ومجهز تجهيزاً متوسطاً، فإذ كان مفروشاً ارتفع الإيجار إلى حدود العشرة آلاف ليرة سورية. أما اليوم فقد تغيرت الحال كثيراً، غرفة واحدة أصبح أجارها الشهري عشرة آلاف ليرة سورية فما فوق، الغرفة المفروشة أصبحت بحدود عشرين ألف ليرة، هذه الأسعار تزيد أضعافاً مضاعفة في حال كانت الشقة ذات مساحة أكبر، أو في مناطق أخرى تعد راقية، مثلاً أسعار إيجار الشقق في "الزراعة" و"الأميركان" و"الصليبة" وصلت إلى "80" ألف ليرة سورية للشهر الواحد».

عرض موجود وأسعار عالية

في تفسير هذا الارتفاع الكبير في الأسعار هناك أسباب كثيرة، يقول السيد "علاء غانم" عضو مجلس مدينة "اللاذقية": «إن توافد آلاف الناس إلى المدينة جعل من سوق الإيجار مزدحماً، وكامل المعروض من المنازل قد تم إشغاله، هناك إقبال كبير على الإيجار دون الشراء، من هنا فإن الناس رفعت أسعار الإيجارات، وكلهم يقولون هذه هي أسعار السوق، ولم يكن للدولة أدنى تدخل فيها، فهذه السوق ليست من اختصاص أية وزارة، بل هي سوق حرة خاضعة للعرض والطلب، ولا يمكنها التدخل إلا من خلال مشاريعها هي، ولا تتواجد مشاريع إيجار أساساً للدولة، والتحكم الوحيد هو للناس وللمكاتب العقارية، علماً أن الأخيرة لا تأثير مباشر لها في الأسعار إلا بنسبة قليلة، فكل الأسعار هي من تسعير المواطن».

لجأ القادمون من محافظات أخرى إلى استئجار بيت واحد لعدة عائلات، حيث يكون البيت الواحد مقسماً في الإيجار والاستخدام للجميع، والغاية هي كما يقول السيد "محمد جعفر" (من منطقة "كويرس" في ريف "حلب" أيضاً)، التخفيف على الجميع لجهة الدفع الكبير للإيجارات، يضيف: «استأجرت أنا وأولادي وعائلاتهم بيتاً في حارة شعبية "بسنادا" بمبلغ رهنية بلغ 500 ألف ل.س لمدة عام قابلة للتجديد، لم يكن أمامي وأمامهم أي حل، لو أن كل واحد يريد بيتاً لبلغ مجموع الإيجارات لأولادي الخمسة وعائلاتهم مئة ألف ليرة سورية شهرياً، عدا الكهرباء والماء، ومع ذلك، فإن هذا الوضع مقبول قياساً بإيجارات مناطق أخرى يبلغ أجارها الشهري 50 ألف ليرة سورية فما فوق».

من سقوبين للإيجار

تتنوع شرائح المؤجرين والمستأجرين، بعض المؤجرين هم من أصحاب الدخل المحدود الذين يتعاملون مع الناس بكثير من الود والتقدير، ولا يغالون في الإيجار وفوق ذلك هناك تسهيلات في الدفع فلا يطلبون منا أجار سنة مقدماً، يتابع السيد "جعفر" قوله: «بعض التجار من عديمي الرحمة والضمير يستغلون حاجة الناس فيرفعون الأسعار، ويطلبون سنة سلفاً، كذلك شهر مقدماً لأجار الكهرباء والمياه، المشكلة أنه ليس هناك قانون يقدر على ضبط هذه الحالة، وهي علاقة بين المؤجر والمستأجر فقط».

تركت هذه الإيجارات تأثيرها على أهل المدينة من المستأجرين الذين لم تسمح لهم ظروفهم بشراء بيوت، يقول السيد "علاء فياض" من "جبلة": إنه بسبب هذا الازدحام ارتفع الإيجار إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف أحياناً، حتى في قرى الريف البعيد نسبياً عن المدينة، إلا أنه رغم كل شيء يبقى الأمر مرهوناً بعلاقة المستأجر والمؤجر.

منطقة وسط البلد تقريباً

من الأمور التي فاقمت من المسألة هنا، قرار صدر عن إحدى الجهات التنفيذية يمنع دخول مواد البناء إلى المدينة لإكمال البيوت المنشأة حديثاً، وقد أدى هذا القرار إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار البحص والرمل والخفاف وغيره، يقول المتعهد "خالد الحسين": إن هذا القرار منع إكمال تجهيز آلاف الشقق التي تحتاج إلى إكساء، ويمكنها أن تساعد في حل جزء كبير من هذه المشكلة، يضيف: «سرى هذا القرار فقط على محافظة "اللاذقية" وكأنها هي المحافظة الوحيدة التي شهدت البناء المخالف، في حين أن هذه المواد متوافرة في مدن أخرى إلا أننا هنا نفتقدها للشهر الخامس على التوالي ويمنع منعاً باتاً إدخالها إلى المحافظة، لمصلحة من هذا القرار؟»

يبقى القول إنه تم تسجيل حالات تم فيها الإيجار من دون دفع أي مبلغ مالي خاصة في الأشهر الأولى للأزمة، إلا أن زيادة عدد السكان هنا خفف من هذه الحالات، علماً أن انخفاض قيمة العملة الوطنية قد أثر أيضاً في الإيجارات كما في كل شيء، وبالمقارنة مع أسعار ما قبل 2011 فإن الأجور لم تتغير كثيراً إلا أن الدخل بقي على حاله، وهنا يكمن جزء كبير من المشكلة.