علاقة الإنسان بالطبيعة محكومة بجملة علاقات تبادلية، فالطبيعة تحترم الإنسان ما دام يحترمها، وإن انتفت هذه العلاقة فالطبيعة ستعيد كل شيء إلى مكانه الصحيح، ومن هذه الأمور المهمة العلاقة مع الأشجار وتحطيبها.

في مثلث الأمان الأساسي للإنسان يوجد الغذاء، والكساء، والأمان، وفي تنويع هذه العناصر تتواجد عناصر أخرى لا تقل أهمية عن هذه، منها الدفء شتاءً، فقد بقي الإنسان حياً لأنه عرف النار وساعدته على البقاء في مواجهة بقية الكائنات والظروف الطبيعية.

إن الاستمرار في قطع الأشجار بهذه الطريقة التي لا تراعي أبداً حرمة الطبيعة، سيؤدي في غضون سنوات قليلة إلى جبال جرداء، ومن ثم ستقلّ كمية الأمطار الهاطلة هنا، وهذه ليست "لعبة"، إنها مصير يحتاج إلى رقابة وردع للمخالفين الذين يستهترون بهذه الضرورة، الأسوأ من ذلك أنه ليس هناك من يبادر إلى زراعة أشجار بديلة عن تلك التي تقطع سوى قليلين

التدفئة على الحطب أمر قديم، ولكن الفرق في التجارب بين الأقدمين والأجيال الجديدة يتجلى في طرائق التعامل مع الأشجار وبمختلف أنواعها، يقول السيد "آصف محفوض" من قرية "دير البشل" في حديث مع مدونة وطن "eSyria” بتاريخ 2 كانون الثاني 2015: «إن الاستمرار في قطع الأشجار بهذه الطريقة التي لا تراعي أبداً حرمة الطبيعة، سيؤدي في غضون سنوات قليلة إلى جبال جرداء، ومن ثم ستقلّ كمية الأمطار الهاطلة هنا، وهذه ليست "لعبة"، إنها مصير يحتاج إلى رقابة وردع للمخالفين الذين يستهترون بهذه الضرورة، الأسوأ من ذلك أنه ليس هناك من يبادر إلى زراعة أشجار بديلة عن تلك التي تقطع سوى قليلين».

قطع من الجذور

في ظل الظروف الراهنة للبلد، وعدم توافر الوقود ومنه المازوت المستخدم للتدفئة، لجأ الناس إلى محاولة تأمين بدائل لمدافئ المازوت، فعادت مدافئ الحطب إلى الواجهة لكونها الوسيلة الوحيدة المتوافرة لأهل الجبل لتأمين التدفئة للأطفال قبل أي أحد آخر، ولجأ الناس إلى التحطيب وقطع الأشجار دون وعي أن هذه الثروة التي احتاجت الطبيعة إلى قرون لإنتاجها، يجب العمل على استدامتها.

يضيف السيد "محفوض" قائلاً: «على أيامنا كان كل الجبل يستخدم الحطب للتدفئة والطبخ و"النفخ"، ولكن كان التحطيب يتم على أصول، لا يوجد شيء ليس لديه أصول، فمثلاً يمنع منعاً نهائياً قطع الأشجار الكبيرة والمعمرة، نكتفي فقط بتقليمها وقطع بعض الأغصان الثخينة وليس الجذع، الجذع استغرق نموه عشرات ومئات السنين، وخاصة الأشجار الحراجية مثل "السنديان والبلوط والشيح" وغيرها، يمكن قطع جذوع الزيتون الهرم فهذا النوع سريع النمو عموماً وهو متوافر بكثرة، الطلب أيضاً سريع النمو، هذه الخبرات لا يعرفها أبناء الجيل الجديد للأسف وعلينا أن نلقنهم إياها».

أشجار مثمرة مقطوعة

أكثر الأشجار تعرضاً للقطع في الساحل هي: "السنديان، والبلوط، والشيح، والعرعر" للأسف، هذه الأشجار المعمرة التي تحتاج إلى وقت طويل كي تنمو هي موئل كبير لكثير من الكائنات الحية الأخرى التي لن تجد بعد وقت مكاناً تعيش فيه، يتابع السيد "محفوض" حديثه قائلاً: «إننا نحتاج إلى تعاون مع الضابطة الحراجية، المنع سيد التهريب، فقد وصل سعر طن الخشب إلى 20 ألف ليرة سورية، وهناك تقطيع جائر للكثير من المساحات الخضراء المتبقية في الجبل، ولا أحد يهتم، "تمز" الزيتون يمكن أن يكون حلاً استثمارياً جيداً، ولكن هذا الناتج يباع إلى المدن في أغلبه بأسعار عالية وصل سعر الطن فيها إلى 25 ألف ل.س، كل هذه العوامل تشجع على ارتكاب المخالفات».

وعن طرائق التحطيب النظامية ذكر المهندس "فادي المحمود" مدير محمية "أبو قبيس": «أن من أهم قواعد التحطيب ترك جزء من الغصن المقطوع كي يستعيد عافيته بعد قطعه، وعدم قطع الجذوع بأي شكل كان، معظم الأشجار تستعيد نمو هذه الأغصان المقطوعة في العام التالي، كذلك من المهم جداً معرفة أن التحطيب ضرورة للغابات؛ ففي التحطيب سلامة للغابات من الحرائق التي تسببها الأغصان الجافة واليابسة، وهذه بالمقابل لقية ثمينة يمكن الاستفادة منها في التدفئة والطبخ وغير ذلك».

نقل علني للحطب دون رخص

من جهة ثانية، تحدث للمدونة السيد "حازم سليمان" من جمعية "طبيعة بلا حدود" منوهاً إلى أن الجمعية بصدد إطلاق برنامج لمكافحة انحسار الغابات في الساحل السوري، وأضاف: «هناك قلة وعي حقيقة بموضوع أهمية الغابات في البلد، ولذلك فإننا سنعمل في اتجاهين: الأول هو في زيادة الوعي بهذه الأهمية عن طريق منشورات توعوية ومحاضرات في مختلف القرى الساحلية وعلى مدار البرنامج، والثانية زراعة أشجار من مختلف الأنواع وبما يتناسب مع طبيعة كل منطقة خلال موسم التشجير القادم في شباط وآذار، وندعو كل المهتمين إلى مؤازرة هذا العمل الذي يهدف أولاً وأخيراً إلى ديمومة هذه الثروة التي نحتاجها ليس فقط كمنظر طبيعي جميل، بل كأحد مقومات بقائنا كبشر على هذه الأرض».

  • الصور المرفقة بإذن من جمعية طبيعة بلا حدود.