"التطيّر"؛ عادةٌ قديمةٌ ما زال صداها يجد تأثيرَه عند النّاس، على الرّغم من تقدّم العلم، وتطوّر العادات الاجتماعيّة، ولا تزال الأشياء، والكائنات، رموزاً، تشير مرّةً إلى التّشاؤم، ومرّةً إلى التّفاؤل، لتتداخلَ بشكلٍ واضحٍ مع الموروث الشّعبيّ لديهم.

مدوّنة وطن "eSyria" بحثتْ في هذه الظّاهرة عند بعض سكّان القرى، بتاريخ 11 تشرين الأول 2014، ورصدتْ دلالاتها، حيث التقتْ أستاذ اللّغة العربيّة "عماد البيشيني"؛ الّذي قال: «إنّ جذر كلمة "التّطيّر" هو الفعل طيّرَ، وهي ظاهرةٌ قديمة، حيث كان العرب في الجاهليّة، يزجرون الطّائرَ؛ فإن طار إلى جهة اليمين تفاءلوا، وإن طار إلى جهة اليسار تشاءموا. وبسبب ذلك قد يقدمون على فعلٍ ما أو عملٍ، وقد يؤجّلونه. واليوم امّحت عادةُ الزّجر هذه في القرى، ليستمرّ "التّطيّرُ" في أشياءَ أخرى؛ فقد يستبشرون بكلام طفلٍ صغيرٍ، وقد يتشاءمون من وجهِ إنسانٍ يصادفونه في الشّارع، ويعدونه مصدراً سلبيّاً لكلّ ما يحدث معهم في ذلك اليوم».

إنّ "التّطيّر" هو ظاهرةٌ شاذّةٌ، تتفشّى حاليّاً، في أوساط الجهلةِ والبُسطاء، وإنّ العلم الحديث لكفيلٌ بدحرها، وطيّ ملفّها

الاختصاصي في علم الاجتماع "ماهر شبانة" تحدّث عن هذه الظاهرة قائلاً: «إنّ "التّطيّر" في أساسه، نشأَ من فكرة الإنسان عما يجري حوله، من ظواهرَ وأحداثٍ، وهذا مرتبطٌ بعلم الفلكِ والطّاقة؛ فالتّطيّر في جوهره هو توجيه طاقة الإنسان سلباً أو إيجاباً نحو شيء معيّن، وبالتّالي ترتدّ عليه هذه الطّاقة؛ فإن كانت إيجابيّة فهو سيعدها فألَ خيرٍ، وإذا كانت سلبيّةً ستكون نذيرَ شؤمٍ، وبالتّالي نشأ ما يمكن تسميته "توجيه الطّاقة الجمعيّ" المسبق نحو شيءٍ معيّنٍ، من خلال ما توارثناه في مجتمعنا حول هذا الشّيء؛ فالغراب هو نذير شؤمٍ هنا، بينما هو فأل خيرٍ عند أقوام أخرى، والبومة كذلك، إضافة إلى الأيّام والشهور، وما إلى ذلك. فهنا نلاحظ أنّ المجتمع تنشأ لديه روابطُ للخير والشّرّ حول يومٍ أو شهرٍ أو ظاهرةٍ معيّنةٍ، حيث كلّ منها لمجرّد أن نصادفه، نعود في أذهاننا إلى هذا الرّبطِ، فنحكم عليه مسبقاً، وبالتّالي تصبح طاقتنا سلبيّة أو إيجابيّة، وفقاً لهذا الرّابط. إضافة إلى أنّ تباين الأديان يلعب دوراً في "التّطيّر" حيث إنّ كلّ دينٍ، قد يعتبر أنّ هذا اليوم أو الشّهر أو العام مثلاً، هو يوم شؤم أو مصيبة، وذاك هو خيرٌ ونعمةٌ وحظّ».

الاختصاصي في علم الاجتماع "ماهر شبانة"

وعلى صعيد تطيّره الشّخصيّ يضيف "شبانة": «كنت أتطيّر سلباً من شهر "أيلول"، وقد حصل لي حادث سير مؤلم به، ثمّ اكتشفت فيما بعد أنّ هذا الشّهر في علم الفلك، يشهدُ اضطراباتٍ في الطّاقة، وعندما غيّرت نوعَ توجيه الطّاقةِ اختلف الأمر تماماً».

وعن بعض حالات "التّطيّر" التي ما زالت شائعةً في القرى تحدّث المزارع "محمّد هيفا" بالقول: «يتشاءم المزارعون بشكلٍ عام من العمل في وقت الأعياد، حيث يعتبرون ذلك جالباً لغضب "الله" الذي خلق هذه الأيّام للرّاحة، وزيارات الأهل. وأيضاً يتشاءم الرّيفيّ من كسرِ المرآة في اللّيل، حيث يعتبر ذلك مؤشّراً على وفاة شخصٍ في الأسرة، ولذلك يتعوّذ ويبسمل كلّ من ينظر في المرآة ليلاً. وفي مقابل ذلك يتفاءل الرّيفيّ بفراشة اللّيل، حيث يعتبرها حاملةً للبشارة. وكذلك يتفاءل لسقوطِ المطر فهو بركة السّماء، وغالباً ما يعتبر نقيق "الضّفادع" في وقتٍ معين دليلَ سقوط المطر. ويشيع في القرى أنّ حكّ راحة اليد بشكلٍ مُفاجئ وكبيرٍ، يجلب الثّروة. وكذلك إذا حدث طنينُ الأذن فجأةً، فهناك من يذكرنا بخيرٍ. وأيضاً إنّ ظهرت فقاعات الماء على "مصّاصة المتّة" فهي دليلُ خيرٍ وثروةٍ قادمةٍ لمن يشربها. والكثير الكثير من الحالات والحركات، والأفعال التي ما زالت سائدة في ذهن القرويّ ومتوارثة عبر مئات السّنين».

المزارع "محمد هيفا"

في كتابه "كان في قرانا" يتحدّث الباحث "حيدر محمّد نعيسة" عن "التّطيّر" بالقول: «هو ظاهرةٌ اجتماعيّة نفسيّة عرفها الإنسان منذ العصور القديمة، وما زالت حيّةً وشائعةً بين الشّعوب البدائيّة، ونصف المتحضرّة، كما لا تخلو منها بعض الجماعات الحديثة الرّاقية».

وعن أسباب تواجدها عند أهل القرى يقول: «هذه المواقف كلّها جزء من ترسّبات العهود الّتي مرّت على الجبال وأهلها، ومن بقايا التنشئة الاجتماعيّة التي يكتسبها الأبناء عن آبائهم، ويرثونها مع ما يرثونه عن طريق التّعلّم والإيحاء؛ فتتناقلها أجيال الأبناء بلا تفكيرٍ منهم فيها، ودون أن يعرفوا أساسها، مع أنّه غالباً ما يكون لهذه التّطيّرات، أسبابٌ ومبرّرات ذات دلالاتٍ تاريخيّة معيّنة، ولكن طواها النّسيان. وبشكلٍ عامٍ فالشّخص إزاء "التّطيّر" واحدٌ من ثلاثةٍ: إمّا متطيّرٌ متشائمٌ من شيء، أو متفائلٌ به، أو غير مُبالٍ به، فلا يقيم له وزناً».

وكختامٍ لبحثه يقول: «إنّ "التّطيّر" هو ظاهرةٌ شاذّةٌ، تتفشّى حاليّاً، في أوساط الجهلةِ والبُسطاء، وإنّ العلم الحديث لكفيلٌ بدحرها، وطيّ ملفّها».