سجلت "أوغاريت" في حضارتها احترامها وتقديرها للمرأة بصفتها صنواً كاملاً للرجل في بناء حضارة المدينة، فهي الفلاحة والمقاتلة والحاكمة، وهي الآلهة الأم الكبرى الشفيعة للمدينة.

وللمكتشفات الأثرية فيها فضلٌ في تقديم صورة واضحة لحياة المرأة في مختلف العناصر التي تضمنتها الحياة، الاجتماعية منها والاقتصادية والدينية، وأغلبية من كتب عن المدينة اعترف بهذا الرقي وبهذه الإنسانية المتقدمة على عصرها.

تظهر الوثائق التي وجدت الاستقلالية التي تمتعت بها المرأة في أوغاريت، ويعود ذلك برأينا إلى المشاركة النشطة لملكات أوغاريت في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فهناك نماذج كثيرة عن عمليات البيع والشراء والتبني والتصرف بالملكية في الحياة الأوغاريتية، منها ما ورد في الوثيقة PRU III,256 ونصها: "اقتطع "أوشوار بن أبانتو" وأهداه إلى زوجته "بيزيبلي" وقد باعت هذه البيت إلى "نوريانو" لقاء كامل قيمته"

وقد نحا بعض الباحثين إلى المقارنة بين وضع المرأة في المدينة، ووضعها في عموم الساحل السوري في الأوقات القريبة، قبل غزو الإسمنت وحضارته للمنطقة، ولا تخلو هذه المقارنة من الصحة، يقول الباحث "سجيع قرقماز" في حديث مع مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 10 آب 2014:

من رسومات الأختام الأسطوانية

«في قانون "أوغاريت" غير المكتوب، "على الرجل إذا أهان أمه، أو أساء إليها، أن يغادر البيت ملعوناً، يخلع جلبابه، يضعه على قفل الباب الخارجي، ويذهب عارياً كما ولدته أمه"، هذا العرف كان قبل المسيح بحوالي ألفي عام، "واستمر لاحقاً في الساحل السوري"، وكانت المرأة ترث كالرجل، وتحتفظ بإرثها، ومهرها، والأراضي والأملاك التي وهبت لها، كما كان مسموحاً للأوغاريتي أن يعدد زيجاته (لكن من استطاع إلى ذلك سبيلاً)، وكانت العبودية موجودةً لكن بأصول تلتزم بها الأطراف كلها. الملكية السائدة ذكورية، لكنها لم تحجب حق المرأة في التملك، والتصرف بملكيتها وإرثها بل مهرها حتى، وكان لها الدور الكبير في المساهمة في الحياة السياسية والاجتماعية في ذلك الوقت».

ويربط الباحث "غسان القيم" مدير موقع "أوغاريت" الأثري سابقاً بين وضع المرأة الاجتماعي ومؤسسة "العائلة" التي كانت "مقدسة" لدى الأوغاريتيين كما لدى شعوب الشرق إلى الآن: «العائلة هي الكيان الاجتماعي الرئيسي الذي سارت فيه حياة الأوغاريتي، فالأب هو رأس العائلة، والسلطة تنتقل بعد وفاته إلى أحد أبنائه، وعلى الأرجح الى الولد البكر أو إلى جميع الأولاد الذين كانوا يسلكون سلوكاً جماعياً، لكن في أغلب الأحيان كان يؤدي موت الأب إلى اقتسام التركة بين أبنائه وظهور عائلات جديدة، كما كان الزواج أحادياً وعرف تعدد الزوجات في حالات حددها القانون. عند عقد القران كانت العروس تحصل على مهر يبقى ملكاً خاصاً بها مصوناً طوال حياتها».

من الأختام أيضاً

ويرى الباحث "أ. شيفمان" أن حقوق المرأة التي كانت لها، نتجت بشكل رئيسي عن نمط الإنتاج الاقتصادي السائد، الذي هو الزراعة، فالمرأة تعمل في البيت مساندة الرجل، وتساعده في الزرع والحصاد والجني وتأمين المؤونة، ويضيف: «تظهر الوثائق التي وجدت الاستقلالية التي تمتعت بها المرأة في أوغاريت، ويعود ذلك برأينا إلى المشاركة النشطة لملكات أوغاريت في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فهناك نماذج كثيرة عن عمليات البيع والشراء والتبني والتصرف بالملكية في الحياة الأوغاريتية، منها ما ورد في الوثيقة PRU III,256 ونصها: "اقتطع "أوشوار بن أبانتو" وأهداه إلى زوجته "بيزيبلي" وقد باعت هذه البيت إلى "نوريانو" لقاء كامل قيمته"».

وقد كشفت الوثائق الملكية المكتشفة في "أوغاريت" عدداً من النصوص الموقعة من قبل ملكةٍ أوغاريتية لها ختمٌ خاص حفر عليه خطان من الهيروغليفية المصرية، ومن الممكن أن تكون هذه الملكة زوجة الملك (نقماد الثاني)، كما تذكر وثائق أخرى أن أخت - ميلكو والدة الملك (عمشتمرو الثاني) قد تزوجت الملك (نقميبا)، ويبدو أنها كانت أميرة عمورية معروفة من أسرةٍ ملكية، وقد دافعت عن حقوق ابنها بشجاعة حتى تضمن له الوصول إلى العرش بنجاح على الرغم من حداثة سنه.

إعادة تخيل لرأس أميرة

لقد كانت العائلة كياناً مقدساً كما كان الزواج هو الآخر مقدساً، وقبل ذلك كانت حقوق المرأة في المجتمع مصونة كلياً في حدود بنية المجتمع الأوغاريتي الزراعية، فقد كانت القوانين تعاقب بقساوة من يعتدي على امرأة، فعقوبة الاغتصاب هي الموت، وعقوبة الخيانة الزوجية هي الموت أيضاً (وليست الرجم بالحجارة)، وبالمقابل إذا اعتدت المرأة على رجل فعقوبتها حسب نوع الاعتداء، فعقوبة التحرش أن تدفع ثلاثين مثقالاً من معدن الرصاص وتضرب بالعصا عشرين ضربة، وفي حالة العكس كانت العقوبة أن تقطع يد الرجل، وتنفذ جميع العقوبات بحضور الكاهن (عن مجلة الحوليات الأثرية السورية).

كان الزواج في المدينة أحادياً، وعرفت المدينة تعدد الزوجات في حالات حددها القانون من أهمها إنجاب الأولاد، إذ إن الزواج مقدس، وكان يتم لمن دخل في الحياة الاجتماعية ذكراً وأنثى، يذكر الباحث "القيم" ذلك بقوله: «كان عقد القران يترافق بمراسم واحتفالات مقدسة في معبد البيت أو العشيرة، ودعوات وصلوات تستنزل الخير والبركة هذه الطقوس تكاد تشبه إلى حد بعيد عادات السوريين خاصة أهل الريف بليلة الزفاف التي تقام حالياً، فالعروسان يتوجهان إلى المعبد في موكب يضم الأهل والأقارب والأصدقاء، حيث تقام الشعائر الدينية ثم يباركهما الكاهن عند الانتهاء من الصلاة متمنياً لهما الخير والمستقبل السعيد.

تجري بعد ذلك مناقشة وضع المرأة في بيت زوجها خاصة حقها في الملكية، ويمكن أن تختلف الشروط باختلاف الحالات المعطاة، وقد أظهرت بعض الرقم الفخارية أن الكاهن كان يسكب الزيت فوق رأس العروس عند عقد القران، وذلك للتطهير الاحتفالي الذي يترافق الانتقال من حال إلى أخرى، بعد ذلك تعقد حلقات الدبكة والغناء وتقام الولائم، ثم يهنئ المدعوون العروسين ويقدمون لهما الهدايا».

من عناصر العلاقة المجتمعية للمرأة، أن المرأة في "أوغاريت" كانت لا تعمل في الحقل، بل إن مهمتها هي في "جلب الماء من البئر وجلب الحطب، استقبال الضيوف، غزل الصوف وصيانة الملابس، ويحق للمرأة أن تعود إلى بيت أهلها إذا رأت أن عائلة زوجها تسيء معاملتها مصحوبة بمهرها، والأهم من ذلك كله أن المرأة تشهد في المحكمة مثلها مثل الرجل تماماً"؛ كما يقول الباحث "قرقماز".

عرفت المدينة في مجمع آلهتها العديد من الآلهات، كان على رأسهن "عشتار" بتسمياتها المختلفة، يذكر الباحث "فراس السواح" أن اسم إلهة أوغاريت الأشهر "عشيرة" مشتق من اسم "عشتار"، أيضاً هناك "عناة" التي يرد اسمها وقصتها في ملحمة "أقهات" بوصفها المتسببة بمقتله في إحدى صورها الكثيرة، ومنها العاشقة والرحوم، بالمقابل تظهر أخت "أقهات" (فوغة) التي تساند أبيها "دانئيل" في محنته وتنال ثأر أخيها من قتلته.

وهناك نصوص تدعو إلى عدم مشاجرة المرأة الحامل لأن ذلك سينعكس عليها بموعد الولادة، وكان الأوغاريتي يعتبر الولادة من الأحداث السعيدة جداً في المملكة.