تقليدٌ اجتماعي ناتج عن طقوس دينية شكل المحرك لصناعة مسرحيين في محافظة اللاذقية قالوا فيما بعد أن هذا التقليد الاجتماعي لا ينفصل عن المسرح وإنما هو ذاته في مرحلة اللا تسمية أو اللا هوية مما دفع الفنان الراحل "نبيه نعمان" لتسميته لاحقاً "مسرح البربارة".

ويقول الفنان الراحل "نعمان" في لقاء صحفي متحدثاً عن "مسرح البربارة":«منذ عقود طويلة مضت وحتى نهاية الخمسينات، كان لايزال يمارس طقس سنوي في مدينة اللاذقية يطلق عليه اسم اسبوع التبديل- في عيد البربارة - حيث تقوم مجموعة من شبان الحي بتبديل ملابسها مساء كل يوم من أيام ذلك الاسبوع ويرتدي كل واحد منهم الزي الذي يرغب به بشكل يخفي ملامحه الشخصية متقمصاً شخصية أخرى شعبية أو تراثية، ومن خلال هذه الشخصيات مجتمعة ننطلق الى بيوت الحي وندخلها متنكرين لنقدم فواصل وتمثيليات فكاهية لها علاقة بمعاناتنا الاجتماعية اليومية فندخل الفرح والبهجة الى قلوب أهل المنزل، حيث كنا نحن الذين نذهب الى الجمهور بعكس ما يحصل اليوم».

في مناسبة "البربارة" تقيم مدارس الأحد يوماً تنكرياً فيه فعالية مسرحية يقدم فيها المشاركون شخصيات من خيالهم أو من وحي تنكرهم

ويضيف "نعمان" في اللقاء الذي نشر في جريدة الوحدة عام /1989/:«هذه الظاهرة كانت النواة لولادة المسرح اللاذقاني، حيث أن مجموعة من الشبان الذين كانوا يقدمون مسرح البربارة التحقوا فيما بعد بفرقة النهضة السورية التي اسسها الفنان "عبد الحميد حداد" وأصبحوا فنانين ضمن فرق مسرحية وقد كنت منهم».

وهذا المسرح كما سمي مازالت فعالياته تقام حتى الآن وإن كان بتفاصيل مختلفة حيث يقول السيد "سميرصدقني" من مدارس الأحد في حديث خاص مع eSyria بتاريخ 26 تشرين الثاني 2013 :«في مناسبة "البربارة" تقيم مدارس الأحد يوماً تنكرياً فيه فعالية مسرحية يقدم فيها المشاركون شخصيات من خيالهم أو من وحي تنكرهم».

وأضاف "صدقني":«في مدارس الأحد يقسم المشاركون لمجموعات حسب شخصياتهم التنكرية (أطباء، صيادلة، مهرجين، عمال نظافة ..إلخ)، ويطلب من كل شخص تأدية دور مسرحي يتناسب مع شكله التنكري، ومن ثم يعطى الجميع مهلة "ربع ساحة" للتحضير لمشهد تمثيلي جماعي كل حسب شخصيته، ليتم بعدها انتقاء أفضل المتنكرين من حيث الحالة الابداعية في تنكره ويمنح جائزة على ذلك».

الفنان الراحل "نبيه نعمان"

هذا الطقس يشارك فيه الكبار والصغار والرجال والنساء وهو يتضمن ضيافة خاصة بحسب "رشا الصايغ" وهي من الذين عاشوا هذه الظاهرة، حيث قالت لـ eSyria:«في نهاية هذا اليوم يحظى الجميع بضيافة خاصة مرتبطة بالقديسة "بربارة"، حيث يتم طهي القمح وتوزيعه بوعاء صغير على المشاركين، وهذا الطقس عائد للرواية المتداولة والتي تقول أن القديسة "بربارة" وخلال هربها من ملاحقة جنود والدها لأنها رفضت انكار المسيح وصلت إلى مكان يسلقون (يطهون) فيه القمح وقامت بطلاء وجهها بالسواد الناتج عن نار السلق (شحوار)، فتغير شكله وتمكنت على أثر ذلك من الهروب متنكرة، لتتحول هذه العملية لاحقاً إلى طقس تنكري سنوي يأكل المشاركون فيه القمح المسلوق».

المخرج المسرحي "ياسر دريباتي" يرى أن هذه الظاهرة الدينية أنتجت فرجة هي أقرب للمسرح، وأضاف في حديثه مع eSyria:«المسرح ولد من حاجة الناس للفرجة والمتعة في المقاهي مع الحكواتي في والريف مع الشعراء والجواليين، واللافت في هذه الظاهرة هي فكرة الذهاب إلى المتلقي، فالذهاب إلى المتفرج أمر يشغل أهل المسرح وهو هدف البحث عن المسرح البديل الذي اشتغلنا عليه في اللاذقية من خلال مهرجان المونودراما الخامس والسادس».

الأب "أنتون بدر" يؤكد أن ظاهرة التمثيل والطواف على المنازل للتسلية، لكن عملية التنكر ذات أبعاد دينية مرتبطة بالقديسة بربارة وهو يوضح ذلك قائلاً لـ eSyria:«تنكر الناس عموماً والأطفال خصوصا بعيد القديسة بربارة، هي عملية ترمز إلى أن الخطيئة قد شوهت براءة طفولتنا، وشوهت الصورة والمثال الذي نحن مخلوقون عليه، .إذ إن الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله وهو بعصيانه قد شوه هذا المثال والصورة، أما الطواف على البيوت فهو نوع من التسلية ليس إلا».

يبدو أنه في المرحلة التي وجدت فيها ظاهرة التنكر احتفالاً بعيد القديسة بربارة والتمثيل لم تكن اللاذقية قد عرفت المسرح بصورتها التقليدية، وعندما تعرفت عليه وجدت أن ماكان يقدمه المتنكرون في هذا العيد ليس إلى مسرحاً هو "مسرح البربارة".