حمل موسم حصادها ذكريات طويلة لأهل الساحل، حيث كانت تزرع بمساحات كبيرة ويتم حصادها بـ"المنجل"، وكان لنقلها على ظهور الجِمال على شكل "حملات"، طقوس وعادات تقوي الأواصر الاجتماعية بين الناس، إنها "الحنطة" غذاء الناس الرئيسي في منطقتنا.

«"في أيار احمل منجلك واتدير"، عبارة تقال في الساحل السوري إيذاناً بحلول موسم الحصاد»، الكلام هنا للسيد "جهاد درويش" صاحب مزرعة في قرية "السامية" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" في 18/7/2013 للحديث عن مراحل حصاد "الحنطة" التي يتذكرها عندما كان صغيراً، وبدأ بالقول: «يبدأ حصاد "الحنطة" بقطع المزارع للسنابل بـ"المنجل" باتجاه ميلان الزرع لأنه أكثر سهولة، ثم يقوم بحمل الكمية المقطوعة فتسمى هذه الكمية "الشميل" ويضعها جانباً حتى الانتهاء من الأرض».

"في أيار احمل منجلك واتدير"، عبارة تقال في الساحل السوري إيذاناً بحلول موسم الحصاد

وتابع: «ثم تبدأ عملية "اللم" وهي جمع "الشميلات" التي حصدها الفلاح مسبقاً، وربطها بـ"رباطات" مصنوعة من سنابل القمح نفسها، حيث يترك قسم من الزرع لهذا الغرض، فيذهب الفلاح إلى الأرض ويعمل على اقتلاع السنابل قبل طلوع الشمس؛ لأنها تكون طرية بفعل الندى فيسهل بالتالي طيها دون أن تتكسر، وربطها مع بعضها بعضاً حتى تصبح بشكل حبل طويل، ثم يقوم بعدها ببسط "الرباط" على الأرض ووضع "الشميلات" فوقه وعقده بشدة فتصبح هذه المجموعة "حملة"، ثم تترك "الحملات" في مكانها، ويستمر العمل حتى تنتهي كل كميات السنابل المحصودة».

حملات الحنطة

للجِمال دور تلعبه في نقل الحصاد عبر توفير الجهد من جهة وإضفاء الفرح من جهة أخرى، حدثنا عنها الجد "سليمان فاضل" (الذاكرة الشعبية في قرية السامية) بالقول: «بعد الانتهاء من ربط "الشميلات" يتم جمع "الحملات" وتكويمها فوق بعضها بعضاً في مكان محدد وتسمى هذه العملية "الرجيدة"، ثم يتم إحضار الجِمال التي تأتي على شكل رتلٍ طويل وسط الأهازيج والأغاني المتزامنة مع أصوات الأجراس التي ترن منبئة بقدومها لتحمل "شميلات الحنطة" وتنقلها إلى "البيدر"، وهو قطعة أرض يقوم الفلاح بتطيينها وتحويرها مسبقاً حيث توضع "الحنطة" عليها إيذاناً بانتهاء عملية الحصاد، وهنا أذكر "بيدراً" في أرض بيت "سعيدة"، وإلى الآن يسمونها "بيدر سعيدة"، وسمي بهذا الاسم لأنه يقع إلى جانب أرض يملكها آل "سعيدة"».

للحصاد طقوس عديدة حدثنا عنها السيد "طلعت مقصود" صاحب أحد المزارع في قرية "برقة" التابعة إلى مدينة "جبلة" قائلاً: «"الحاصودي" المتمرس يفضل الحصاد في الحرارة العالية لأن أشعة الشمس مع التعرق الشديد يكسبان الظهر مرونة وطراوة تمكنانه من إتمام الحصاد دون آلام تذكر، والناس لا تستحم طوال فترة الحصاد كي لا تصاب العضلات بالتشنج وتحول دون إتمام العمل بالشكل المطلوب، رغم ساعات العمل الطويلة التي كانت تمتد من طلوع الفجر حتى غياب الشمس، وهنا أذكر "حاصودياً" نشيطاً اسمه "محرز رزق" الملقب بـ"أبي علي" وكان مشهوراً بقوته ونشاطه ويبقى يحصد من الصباح إلى أن تغرب الشمس وكان مضرب المثل، وقد توفى منذ سنوات».

أكوام الحنطة

وأضاف: «لتخفيف وطأة حصاد مساحات كبيرة، كان الفلاحون يعمدون إلى تقسيم الأرض إلى أقسام صغيرة، فيبدؤون بحصاد أطراف القطعة المنتقاة لتحديدها، ومن ثم يعودون إلى حصادها كاملة، وتستمر هذه العملية حتى الانتهاء من الأرض كلها، وكان طعام الناس يقتصر في تلك المرحلة على التمر، فيحضرون "زمبيلة" من التمر، وهي عبارة عن سلة تحتوي على /50/كغ من التمر قبل البدء بالحصاد إضافة إلى "متبل البرغل" وشوربة العدس "المخلوطة" مع البصل التي كانت الغذاء الرئيسي للناس في ذلك الوقت».

التعاون بين الفلاحين سمة بارزة أثناء حصاد "الحنطة" حدثنا عنها السيد "حسن حسن" مزارع من قرية "البراعم" التابعة إلى مدينة "جبلة" قائلاً: «يتعاون الفلاحون فيما بينهم لإتمام العمل بسرعة وبنظام وفق طريقة عمل تسمى "المزاملة" أو "المحابرة"، حيث يجتمع الفلاحون على حصاد قطعة أرض معينة، وبعد الانتهاء منها يقومون بحصاد الأراضي الأخرى، ما يساهم في الانتهاء منها بسرعة وبجهد نفسي وجسدي أقل، إضافة إلى مشاركة الأدوات المستخدمة في العمل، بالتالي تيسر عمل الفلاحين وتوفر الوقت والجهد، وتعزز أواصر الألفة والمحبة بينهم».

البيدر

يذكر أن عملية "الحصاد" كانت تتم بأدوات بسيطة محلية الصنع من المواد المتوافرة في البيئة آنذاك.