أطلق عليه العامة في مدينة "اللاذقية" "الرجل المعجزة"؛ فقد كان المنارة التي يهتدي إليها القادمون من البحر واليابسة، وخاصة الفقراء والباحثون عن عمل. وكان "أبو هاني" "مصطفى قدسي" -إضافة إلى شخصيته الفريدة- يتمتع بذاكرة قوية وخصال إنسانية جعلته راسخاً في ذاكرة المدينة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 11 حزيران 2019، الباحث في التاريخ والموسيقي "فايز فضول" للحديث عن "مصطفى قدسي"، وما تحفظه ذاكرته عنه، فقال: «كان عمري سبعة أعوام حين كان يزور "القدسي" والدي في دارنا بسوق "الصفن"، "أبو هاني" رجل المعجزة في مرفأ "اللاذقية"، حيث كان يسمى مرفأ "أبو هاني" منذ أكثر من سبعين عاماً، وكان يحلّ بمفرده مقام مديرية مرفأ "اللاذقية"، حيث لم تكن مديرية المرفأ موجودة حينئذٍ، وكان أميّاً لا يقرأ ولا يكتب، ويعمل لديه عشرات العمال والكتبة في المرفأ يومياً لتحميل البضائع على المواعين، ثم نقلها إلى الباخرة وتصديرها إلى بلد المقصد، ويحاسب العمال والكتبة فرداً فرداً من دون قيود أو سجلات، ويسيّر أعماله كلها ببساطة ووعي وتركيز».

كان بتفكيره وخبرته الدقيقة وكأنه حاسوب عصره، محبوباً من الجميع، وسيد ذلك العصر، وقد أثبت بخبرته أنه قد حلّ مقام شركة مرفأ "اللاذقية" بإدارتها وموظفيها ومستخدميها وعمالها بمفرده؛ على الرغم من أنه لا يحمل دفتراً أو قلماً، ويحاسب الجميع من جيبه في الحسابات الصادرة والواردة. كان كريماً سخياً يعطي ويحب الاستقامة والصدق، مخلصاً لجميع الناس ولوطنه، ولا يهتم بلباسه بقدر ما يهتم بتلبية احتياجات الناس. كان رمزاً للشهامة، ومغامراً شجاعاً

ويضيف: «كان بتفكيره وخبرته الدقيقة وكأنه حاسوب عصره، محبوباً من الجميع، وسيد ذلك العصر، وقد أثبت بخبرته أنه قد حلّ مقام شركة مرفأ "اللاذقية" بإدارتها وموظفيها ومستخدميها وعمالها بمفرده؛ على الرغم من أنه لا يحمل دفتراً أو قلماً، ويحاسب الجميع من جيبه في الحسابات الصادرة والواردة. كان كريماً سخياً يعطي ويحب الاستقامة والصدق، مخلصاً لجميع الناس ولوطنه، ولا يهتم بلباسه بقدر ما يهتم بتلبية احتياجات الناس. كان رمزاً للشهامة، ومغامراً شجاعاً».

فايز فضول

حفيد العائلة "عصام قدسي" مدرّب منتخب "سورية" بالكاراتيه، تحدث عن جدّه قائلاً: «كان جدّي صاحب المرفأ، فقد عرفته من خلال أحاديث أفراد العائلة وأهالي "اللاذقية"، وعرفت عنه بأنه يمتلك عقلاً ميكانيكياً وقدرة على الإدارة، كان غنياً؛ اختبر الحياة وظروفها المختلفة، وأدخل أول سفينة سوريّة إلى حوض البحر المتوسط، وكان يشغّل عمالاً بأعداد كبيرة، ومجتهداً في عمله، وأسهم ببناء الاقتصاد حينئذٍ، عطاؤه اختصر حياته؛ فاسمه مرتبط بوجه دائم بالعطاء والكرم، حيث كان يقوم بواجبات معظم عائلات "اللاذقية".

مرّ على وفاته ستون عاماً وما زالت ذكراه حاضرة، كما تناوله الكاتب "حنا مينة" في روايته التي تجسّدت في مسلسل "نهاية رجل شجاع"، لكنه لم ينصف ذلك المسلسل "مصطفى قدسي" من نواحي عدة».

عصام قدسي

"نديم قدسي" المهتم بتاريخ العائلة، تحدث عن عمه قائلاً: «"مصطفى قدسي" من مواليد عام 1890 في حيّ "العوينة"، رجل نشيط وشخصيته قوية، متوسط القامة، ويلبس الزيّ العربي، وينتمي إلى عائلة بحرية تتقن الأعمال البحرية وخدمات النقل البحري في "اللاذقية منتصف القرن الماضي، بمواعينه الخشبية والسفن الشراعية التي كان يمتلكها، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء.

كانت الأسر الفقيرة تعيش من فرص العمل التي يوفرها لهم عمله البحري، فالفقر كان شديداً في تلك الفترة، والناس بحاجة إلى العمل، فقد كانوا يحتفلون حين ترسو البواخر في مرفأ "اللاذقية"؛ لأنهم يعلمون أن "أبا هاني" سيشغلهم في تفريغ وتعبئة المواعين، كان قيادياً متمكناً من زمام الأمور، وأسّس صندوقاً تعاونياً خاصاً بعائلة "قدسي"، وشارك بإنهاء أزمات العائلة المادية في كل المناسبات، كانت مسيرة حياته حافلة بالعطاء ومساعدة الآخرين، وقد لقّبوه بعدة ألقاب كان آخرها الزعيم، وقد توفّى عام 1958 بعد تأميم المرفأ».