يعدّ من أهم الشخصيات الثقافية السورية، وكان لأبحاثه ودراساته الأثر الكبير في تدوين تاريخ الحضارات السورية، ورفضه التخصص في مجال محدد كان حافزه لينطلق نحو الإبداع في الأدب والموسيقا والفن.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 15 تموز 2018، مع الباحث والأديب الدكتور "علي القيم" ليحدثنا عن بداياته، حيث قال: «في عام 1970 بدأت عملي في المديرية العامة للآثار والمتاحف كموظف بسيط، ثم تسلمت مهام المكتب الصحفي في المديرية، إلى أن تم تعييني كأمين لمتحف "الطب والعلوم عند العرب" في "دمشق" عام 1983، وخلال هذه المدة أشرفت لأكثر من أربع سنوات على المعهد المتوسط للآثار والمتاحف، والمعهد المتوسط للفنون التطبيقية، وقمت بالتدريس فيهما، إلى أن عُيّنت معاوناً لوزير الثقافة في عام 1991، ثم سُمّيت نائباً وعضواً في اللجنة العليا لإصلاح الجامع "الأموي الكبير" بـ"دمشق" وتطويره. وفي 21 تشرين الثاني 1998، سُمّيت نائباً للجنة الدائمة للثقافة العربية المنبثق عن مؤتمرات الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية للوطن العربي، وكان حافزي في العمل الإداري فرصة لتحقيق إنجازات أوسع، ولا سيما في علم الفلك والصيدلة الأثريين، حيث إن العمل في مجال الآثار هو الرائد والمنطلق، وما زال دافعي للكتابة وتسليط الضوء على منجزات الحضارة السورية والفنون القديمة وإبداع الإنسان السوري عبر العصور الزمنية الموغلة في القدم، لأننا أحوج إلى معرفة هذا التاريخ والعناصر المشرقة فيه، ولا بد من تسليط الضوء عليها لتكون مشعلاً لمنطلق حياتنا بصفة التاريخ محركاً للحضارة وتحولاتها».

هو من أكثر الشخصيات تأثيراً بالواقع الثقافي في وطننا، كانت رؤيته الثاقبة لأهمية دراسة الحضارات القديمة التي سكنت "سورية" طريقه لاستعادة الهوية السورية عبر التاريخ بأسلوب علمي ممنهج، ومدعم بالوثائق والمكتشفات الدقيقة، وثبت أنه من القلائل الذين ظلوا على الساحة الثقافية يعملون بسلوك علمي وفكري وأدبي، كما أنه تفرد بتقديم وثائق ودلالات على أهمية "سورية" ومكانتها العليا منذ أن بدأ التكوين الإداري والمدني، ومنذ أن وجدت الحضارات. إضافة إلى أن أعماله لم تقتصر على البحث والدراسة، بل أغناها بربط شائق يدل على أدب قادر على إمتاع المتلقي في تعاطيه مع القضايا التي يذهب إليها

وأضاف: «أعدّ "سورية" متحف آثار في الهواء الطلق، وما تعرفت إليه من ثقافات أثرية وخبرات جعلني أبحث في حضارتها عبر مليون سنة مضت، فمررت بعمق على إمبراطورية "إيبلا" والممالك الأخرى، وكتبت عن المرأة في حضارات "بلاد الشام" القديمة، وما يحمله الجامع "الأموي" من معانٍ ثقافية وحضارية منذ عهد الخليفة الأموي "الوليد بن عبد الملك" إلى عهد القائد "حافظ الأسد". ويا للأسف، تحتاج المواقع الأثرية السورية إلى اهتمام أكثر؛ لأن هناك بعض المواقع التي لم يتم التنقيب فيها حتى تاريخه، والتي قد تؤدي إلى اكتشاف حضارات عريقة غير معروفة، حيث تضم "سورية" ما بين ستة وسبعة آلاف موقع أثري، وما نقب عنه حالياً لا يزيد على ثلاثمئة موقع».

كتاب "لنا في الرؤئ أثر"

أما حول شغفه بالآثار، فقال: «مارست العمل الأثري من خلال دورات تدريبية عديدة لدى بعض البعثات الأثرية الأجنبية العاملة في البلاد، وساهمت بالتنقيب والكشف والمسح الأثري في "سورية"، وإعداد المؤتمرات والندوات الثقافية والتراثية التي أقامتها وزارة الثقافة منذ عام 1978، ومازلنا نحتاج إلى المزيد من البحث والاكتشاف لسبر أغوار أعرق الحضارات التي عرفتها البشرية، فآثارنا هي سفيرتنا إلى العالم، حيث إن العمل الأثري هو بحث عن تاريخ وحضارة وفن كما هو منجز إنساني وإبداعي، وقد أعددت في هذا المجال أكثر من خمسين كتاباً، إلى جانب مئات المقالات المنشورة في الصحف والمجلات العربية.

ومن مؤلفاتي: "إضاءات من الذاكرة القديمة"، و"المرأة في حضارات بلاد الشام القديمة"، و"إمبراطورية إيبلا"، و"سيمفونية اللون فاتح المدرّس"، و"ترصيعات على جدران صينية"، و"مملكة أوغاريت"، و"بيمارستان نور الدين"، و"المرأة في حضارات بلاد الشام القديمة"، و"ابن النفيس الدمشقي"، و"الموسيقا تاريخ وآثار"، و"مجالس الكتب"، و"همس الحروف"، و"آثار وأسرار"، و"الجامع الأموي الكبير من عهد الوليد إلى عهد حافظ الأسد"، وغيرها الكثير».

الجمال الموسيقي

وحول عظمة الإنسان السوري، قال "القيم": «تمثلت عظمته بشموليته وثقافته، وبكون حضارة بلاده فاعلة ومنفعلة وصانعة للحضارة منذ بدايات الثورة الزراعية الأولى، وقبلها الأداة الصوانية الأولى التي استخدمها الإنسان في حياته العملية والفنية، وبعدها عمليات التطور الحضاري التي كانت في الفنون والميثولوجيا والبناء وصناعة العربات، إضافة إلى أن الأبجدية الأولى أيضاً كانت في "سورية" التي أعطت للعالم من دون حساب، ما يرتب على هذا العالم الحفاظ على هذه العطاءات، وهو منذ وجد على الأرض كان يبحث عن الممكن ويطوره ويعده ليخدم البشرية جمعاء متخطياً في ذلك نفسه، وقد وجد في موقع "إيبلا" أقدم تعويذة، وأقدم مدرسة لتعليم الموسيقا وجدت في "ماري"، وأقدم نوتة موسيقية وأبجدية في مدينة "أوغاريت"، وأقدم قاموس مشترك بين "آكاد وإيبلا" وجد في "إيبلا"، وأقدم معاهدة سلام في العالم كانت بين "إيبلا" و"أبارسال" عُثر عليها قرب المصب الأعلى لنهر "دجلة"، وانتهت سلماً بالزواج بين الحثيين والفراعنة عام 2580 قبل الميلاد إثر معركة "قادش" الشهيرة قرب بحيرة "قطينة"، التي دُونت بنودها على جدران معبد "الكرنك" في "مصر" القديمة».

أما حول اهتمامه بالموسيقا، فقال: «لقد درست الكثير من المكتشفات الموسيقية والإيقاعية من خلال الآثار، ومن بينها أنشودة "العبادة الأوغاريتية"، وهي أقدم مدونة موسيقية وجدت في العالم، وقمت بتأليف عدة كتب في هذا المجال، مثل: "الأبجدية الموسيقية"، و"علم الجمال الموسيقي".

المرأة في حضارات بلاد الشام القديمة

وقد وضعت التصور الأولي لسيمفونية "أوغاريت" التي تتألف من أربع حركات، وتنتهي بنشيد يغنى باللغة الأوغاريتية الأصيلة، وهو مستمد من نشيد ملحمة الإله "بعل"، حيث يتضرع الناس إلى الإله "إيل" لإعادة الحياة للإله "بعل" لتنفجر ينابيع الحياة، وتقول: "قم يا بعل أينع الأزهار وفجّر الينابيع"، ومنها جاءت رقصة الدبكة، حيث كان الأهالي يذهبون إلى أعالي الجبال ويدقون ويحركون أرجلهم على الأرض ليعود "بعل" وتعود الحياة. غير أن هذا العمل الضخم مع الموسيقار "صفوان بهلوان" لم يبصر النور؛ فهو يحتاج إلى إمكانيات هائلة».

الإعلامي "جودت غانم" تحدث عن الدكتور "علي القيم"، حيث قال: «هو من أكثر الشخصيات تأثيراً بالواقع الثقافي في وطننا، كانت رؤيته الثاقبة لأهمية دراسة الحضارات القديمة التي سكنت "سورية" طريقه لاستعادة الهوية السورية عبر التاريخ بأسلوب علمي ممنهج، ومدعم بالوثائق والمكتشفات الدقيقة، وثبت أنه من القلائل الذين ظلوا على الساحة الثقافية يعملون بسلوك علمي وفكري وأدبي، كما أنه تفرد بتقديم وثائق ودلالات على أهمية "سورية" ومكانتها العليا منذ أن بدأ التكوين الإداري والمدني، ومنذ أن وجدت الحضارات. إضافة إلى أن أعماله لم تقتصر على البحث والدراسة، بل أغناها بربط شائق يدل على أدب قادر على إمتاع المتلقي في تعاطيه مع القضايا التي يذهب إليها».

بقي أن نذكر، أن الدكتور "علي القيم" من مواليد "اللاذقية" عام 1950، حاصل على إجازة في الجغرافية من كلية الآداب بجامعة "دمشق"، ودبلوم تأهيل تربوي من الجامعة ذاتها، ويحمل رسالة دكتوراه في إمبراطوريه "إيبلا"، وثانية عن ترميمات الجامع "الأموي"؛ حيث كان نائباً وعضواً في اللجنة العليا لترميمه وإصلاحه، وقد اختاره معهد "السير الحياتية" الأميركي عضواً في مجلس المستشارين للدراسات العالمية، ومنح شهادة "البورد" على مجمل مؤلفاته. حصل على وسام وشهادة عالمية من مجلس الشخصيات العالمي من "أوكسفورد".