يعدّ الفنان "نعمان جود" الأب الروحي للسينوغرافيا في المسرح السوري، وربما هو الوحيد الذي اشترط على المخرج تصميم الديكور كما يراه هو وبأسلوبه الخاص، ليعطيه حقه مع باقي تقنيات المسرح.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 25 أيلول 2017، الإعلامية والمواكبة للحركة المسرحية السورية "أمينة عباس" في المعهد المسرحي بـ"دمشق"، حيث قالت: «سبق لي أن قمت بعدة لقاءات صحفية مع الفنان "نعمان جود"، ومن خلالها تعرفت إليه. بداية علاقته مع المسرح كانت حين أوفد إلى "الاتحاد السوفييتي" لدراسة الديكور المسرحي، وبعد ست سنوات من الدراسة نال شهادة الماجستير، وكان مشروع تخرجه تصميم السينوغرافيا لمسرحية "الزنزانة" للمخرج "سيد الشوربجي"، وفور وصوله إلى "دمشق" عام 1975 صمم ديكور مسرحية "برج المدابغ"، تأليف "نعمان عاشور"، وإخراج "محمد الطيب، وعدّوا حينئذٍ أحد أسباب نجاح هذا العرض الديكور المبدع».

إذا سألني أي شخص، هل تعرف "نعمان جود"، أجيب فوراً ومن دون تردد، والبسمة تغمر وجهي، نعم، بل لي خالص الشرف أنه كان أستاذي، وأول من أدخلني فضاءات السينوغرافيا وأنا أدرس التمثيل، بل سرقني إلى ذلك الكون اللا منتهي الذي نطلق عليه فضاء المسرح، علمنا أن العلبة الإيطالية المحددة الأبعاد هي أكبر المخادعين، لأنك وأنت في داخلها تشعر وكأن العالم كله في هذا الحيز المكاني، الذي يدمج المكان بالزمان، وتجعل المرء يصدق لوهلة أنه تجاوز أبعاد الأرض

وأضافت: «من أهم مراحل "جود" العملية في المسرح السوري حين انضم إلى فرقة "المسرح التجريبي" إلى جانب الكاتب الكبير "سعدالله ونوس"، والمخرج المسرحي المبدع "فواز الساجر"، حيث صمم السينوغرافيا لعملين مع الفرقة، هما: "رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة"، و"ثلاث حكايات" للكاتب "دراغون"، إضافة إلى أعمال أخرى مع "الساجر"، مثل: "رسول من قرية تميرة" للمؤلف "محمود دياب"، ومسرحية "سكان الكهف". وحين أنجز أول عمل أوبرالي في "سورية" بالتعاون بين وزارة الثقافة والمجلس الثقافي البريطاني "دايدو واينياس"، نفذته الفرقة "السيمفونية الوطنية السورية"، وصمم له الديكور "نعمان جود"، كما شارك في معرض "براغ" الدولي لمهندسي الديكور عام 1991، وكان العربي الوحيد، وذلك من خلال عملين: "سهرة مع أبي خليل القباني"، و"المفتاح"».

من أعماله مع مانويل جيجي

الدكتور "عجاج سليم" المخرج المسرحي المعروف، قال عن معرفته بالراحل: «إذا سألني أي شخص، هل تعرف "نعمان جود"، أجيب فوراً ومن دون تردد، والبسمة تغمر وجهي، نعم، بل لي خالص الشرف أنه كان أستاذي، وأول من أدخلني فضاءات السينوغرافيا وأنا أدرس التمثيل، بل سرقني إلى ذلك الكون اللا منتهي الذي نطلق عليه فضاء المسرح، علمنا أن العلبة الإيطالية المحددة الأبعاد هي أكبر المخادعين، لأنك وأنت في داخلها تشعر وكأن العالم كله في هذا الحيز المكاني، الذي يدمج المكان بالزمان، وتجعل المرء يصدق لوهلة أنه تجاوز أبعاد الأرض».

وأضاف: «لو أردت أن أطلق على الكبير "نعمان جود" صفات أو ألقاباً، لقلت مباشرة "المعلم"، هو التجسيد النادر لمعنى كلمة معلم، لأنه كان أستاذاً يشرح بسلاسة، حيث كان ينسل إلى دواخلنا مع كل كلمة طيبة ينصح بها، أو معلومة راسخة يشير إليها أو يصرح بها، وبدا دائماً صديقاً لم نشعر ولا مرة بأنه يقوم بدور المدرّس الضابط، بل المدرّس الأخ والصديق والزميل. وأنا طالب التمثيل الفرح باكتشاف عالم السينوغرافيا لدرجة نيل رضا المعلم، كان السبيل لأن أعمل معه بعد التخرج مباشرة كعميد في مادة السينوغرافيا، عندما لم يكن هناك قسم سينوغرافيا ولم يتخرج أحد في هذا القسم. علمني الكثير، وقبل كل شيء، كيف أسعى إلى الحوار مع ذاتي لأحفر كل مكامن الخير فيها، فأنال شرف الانتماء إلى الإنسانية».

أمينة عباس

تجدر الإشارة إلى أن "نعمان جود" من مواليد مدينة "اللاذقية" عام 1945، درس الديكور المسرحي في "لينينغراد، الاتحاد السوفييتي"، وأسس قسم السينوغرافيا في المعهد العالي للفنون المسرحية بـ"دمشق"، وأعماله المسرحية فاقت المئة، منها: "رأس المملوك جابر، الزير السالم، يوليو قيصر، قصة موت معلن، مركب بلا صياد". وفي التلفزيون صمم الديكور أيضاً للعديد من الأعمال، منها: "يوميات مدير عام، أيام شامية"، إضافة إلى أعمال كثيرة في المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث كان مدرّساً فيه، ورحل قبل مدة وجيزة عام 2017 بـ"دمشق" تاركاً خلفه إرثاً ثقافياً وفنياً ضخماً.

د.عجاج سليم