لم يقتصر كرمه على الفن بلوحاته الواقعية الحداثية ذات البعد البصري الواحد، فقد فاض عطاءً على مجتمعه مقدماً الكثير من الحب، انعكس ذلك في المزاوجة بين الكتابة والأرابيسك العربي.

ينتمي الفنان "أدهم اسماعيل" كما يقول الفنان التشكيلي "محمود حسن" في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 16 نيسان 2015، إلى جيل الرواد المؤسسين للحركة الفنية السورية، ويقول: «أولئك الذين حملوا في جوانحهم دوماً همّ المزاوجة بين انتمائهم الوطني، وسعيهم لمتابعة آخر ما في عوالم الفن الحديث، من هنا نفهم إنتاج تلك المرحلة الغني بهذه المحاولات الهادفة للربط التقني والبصري والنقدي بين الفنون العالمية وعناصر التراث العربي».

نعرفه وفق المرويات في العائلة كشخص نظيف الروح، معطاء في علاقته مع الناس لا يألو جهداً في خدمة من يستطيع من الأصدقاء والناس، ولا غرابة أن مركز الفنون الأكثر شهرة في العاصمة "دمشق" يحمل اسمه، فقد كان شخصاً يحب الناس كما يحبوه

كان "أدهم اسماعيل" في علاقته مع الناس والجمهور متميزاً بنبضه القومي، يقول الشاب "عروة اسماعيل" من أفراد العائلة، مضيفاً: «نعرفه وفق المرويات في العائلة كشخص نظيف الروح، معطاء في علاقته مع الناس لا يألو جهداً في خدمة من يستطيع من الأصدقاء والناس، ولا غرابة أن مركز الفنون الأكثر شهرة في العاصمة "دمشق" يحمل اسمه، فقد كان شخصاً يحب الناس كما يحبوه».

لوحة الفارس العربي عام 1953

يذكر الناقد والباحث "طارق الشريف" في كتابه "عشرون فناناً من سورية" (دمشق، 1972): «ولد "أدهم اسماعيل" في العام 1923 لعائلة مثلت لاحقاً تجربة ثرة في عوالم الأدب والفن السوريين، في مدينة "أنطاكية" المحتلة، حيث كانت اللغة العربية محاصرة في كل مناحي الحياة من قبل العثمانيين، وفي المدرسة العربية الوحيدة (أنموذج العفان) كان "أدهم" مع صحبه في الكشافة يحاولون الدفاع عنها بشتى السبل، إلا أن سلخ اللواء أفضى إلى هجرته مع خمسين طالباً باتجاه "حلب" ومنها إلى "حماة" التي غادرها في السادسة عشرة من عمره متجهاً إلى "دمشق".

تعرف في العاصمة إلى الشاعر اللوائي "سليمان العيسى" وأصبحا صديقين مقربين، ودخل كلية الحقوق بجامعة "دمشق" العام 1945 ليغادرها بعد عامين مكتشفاً أن موقعه ليس فيها رغم انشغاله المبكر بالنضال السياسي مع القوميين العرب، وقد سبق ذلك مشاركته في العام 1942 في معرض الجمعية العربية للفنون في "معهد الحرية" مع فنانين تركوا لاحقاً بصمات جيل الرواد منهم: "ألفريد بخاش"، "سعيد تحسين"، "محمود جلال"، "نصير شورى"، وغيرهم.

الفنان التشكيلي "محمود حسن"

بعد تعيينه للتدريس في "حلب" تمكن من الحصول على منحة من الحكومة الإيطالية لدراسة الفن في "روما" فغادر إليها العام 1952، وتخرج بعد أربع سنوات في اختصاص "الميدالية والفريسك"، ليعود إلى الوطن متابعاً عمله الفني، وفي عقد الخمسينيات مارس تدريس مادة الفنون في محافظة "درعا"، فعاش مع الناس هناك كواحد منهم يرسم أحلامهم وحياتهم في لوحات خلدت تلك المرحلة منها: (العامل، عمال الحفر)، ولوحة (نساء من حوران) التي نال عليها جائزة امتياز من وزارة الثقافة.

في حقبة الوحدة بين "سورية ومصر" عين مستشاراً فنياً في وزارة الثقافة المركزية في "القاهرة"، وبقي فيها حتى أيلول 1961 حين حدث الانفصال، وأثرت فيه تلك التجربة كثيراً وهو ابن "اللواء" المفقود ورفيق القوميين العرب، فاتجهت مسيرته الفنية بعدها إلى مرحلة جديدة من حياته انعكست في انعكافه على الذاتية في لوحاته وشبه يأس من حال الأمة العربية».

لوحة وراء القضبان عام 1950

يقول الفنان التشكيلي "علي غانم" في تقييم لوحات تلك المرحلة: «إن من يقرأ عناوين أعمال "إسماعيل" يجد ارتباطه الواضح بالمسار السياسي والقومي آنذاك، ففي عمله "أشرة مشردة في الشارع" عام 1950 تناول نكبة "فلسطين"، ثم رسم لوحته الشهيرة "الفارس العربي" عام 1953 التي تمثل الحلم بفارس عربي يرمم تلك الجروح المتكاثرة وقتها، وفي مرحلته الأخيرة بدأ ينتهج اللوحة التراثية التي تستمد عناصرها من جمالية الحرف العربي والكتابة العربية ليكتشف الأرابيسك من جديد وليفسح المجال لاستخدامه بطريقة جديدة ضمن تجربة نراها عند "أدهم" محوراً رئيساً لأعماله الفنية بأجمعها.

ومن أبرز أعمال هذه الحقبة: "وراء القضبان" (1956)، و"بور سعيد" (1958)، و"الطائر يفك قيده" (1959)، و"زلازل أغادير" (1960).

اتجه في السنوات المتبقية له إلى الموضوعات الجمالية، وإلى استعمال الحرف العربي موضوعاً لتكوينات فنية جديدة، وتلاقت أفكاره هذه مع مبادرات الفنان "محمود حماد" في مجال الحرف، وبنفس السياق كذلك مع الفنان "عبد القادر أرناؤوط"، وبدا أن الهوية البصرية حاولت الجمع هنا بين التشكيل الحداثي والتراث العربي مرة أخرى».

اختطفه الموت في عز عطائه عام 1963، مخلفاً وراءه تجربة ثرية أكملها من بعده عدد من الفنانين السوريين الذين صمموا على تطعيم التراث بالحداثة، يذكر الناقد "الشريف" في تقييم إجمالي لما قدمه الفنان: «عبّر "أدهم اسماعيل" عن حسه الجمالي بتصوير الأرض والحركة والطبيعة والزهرة والمرأة، وعمّق تجربته الفنية في موضوعات أخرى وطوّرها كي تنسجم الحركة مع المساحة واللون حتى غدت تبدو في كل أعماله معبرة عن رغبته في تقديم فن حديث بروح عربية بالخط واللون وعلاقاتهما اللا متناهية، وهكذا يكون "أدهم" قد أسهم في تجديد لغة التعبير الفني في "سورية"، وفي اكتشاف ما يملكه التراث العربي من أشكال فنية يمكن استخدامها للتعبير عن مضامين متنوعة».