في خمسينيات القرن الماضي كان يجوب "اللاذقية" بعربته ذات الدواليب الثلاثة، وينادي بأعلى صوته "ضو القمر يا جميز" في إشارة منه إلى ثمرة "الجميز" التي تنضج على ضوء القمر.

"جوان الجوني" بائع ثمار "الجميز" (فاكهة تشبه التين) الشهير في "اللاذقية" قبل أكثر من نصف قرن، وهو مازال حاضراً في ذاكرة من عاشوا في المدينة خلال حقبة الخمسينيات، كالفنان المولع بالتراث اللاذقاني "سمير الزوزو" الذي يقول عنه في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 تموز 2014: «هو صاحب شخصية نادرة وذات حضور كبير في ذاكرة أطفال "اللاذقية" في ذلك الحين، حيث كان رجلاً أشقر اللون وصاحب صوت طيب المسمع، يلحن صيحاته وهو ينادي الناس لكي يشتروا منه الثمار التي يبيعها».

هو صاحب شخصية نادرة وذات حضور كبير في ذاكرة أطفال "اللاذقية" في ذلك الحين، حيث كان رجلاً أشقر اللون وصاحب صوت طيب المسمع، يلحن صيحاته وهو ينادي الناس لكي يشتروا منه الثمار التي يبيعها

كان "جوان" يقود عربة لونها خشبي داكن ويتجول في شوارع "اللاذقية" القليلة في ذلك الوقت بحسب قول "الزوزو"، ويضيف :«كان ينطلق في مشواره اليومي من "أنام بستان الجوني" قرب المسرح القومي حالياً، بعد أن يجمع الثمار من بستان عائلته الذي يضم بضع شجرات من "الجميز" التي عمرها أكثر من 100 عام، ومازال بعضها شامخاً حتى الآن، ومن ثم يشق طريقه في شوارع "اللاذقية" عقب أذان المغرب مباشرة، ويبيع كيلو "الجميز" بحوالي ربع ليرة سورية، في ظل إقبال شديد عليه من الأهالي والأطفال بشكل خاص».

اللاذقية قديماً

ويتابع: «لم تقتصر شهرة "جوان" على بيع "الجميز" فقط، حيث كان يعمل "مسحراً" في شهر رمضان المبارك، وقد امتاز بقدرة كبيرة على الحفظ فكان ينادي أمام كل منزل باسم صاحبه، فهو يحفظ أغلب أسماء أصحاب بيوت "اللاذقية" في ذلك الوقت، ولم يكن يغادر باب المنزل حتى يعلمه أصحابه أنهم استيقظوا، ومع حلول العيد يأتي في الصباح ليأخذ "الفطرة" أي عيدية من كل بيت».

ويختم: «لم يكن بائع "الجميز" والمسحر الشهير ابن أسرة فقيرة إلا أنه كان يبدو بمظهر فقير، لم يتزوج، ولم يبق في "اللاذقية" من يتابع مسيرته، فعندما رحل رحلت معه مهنته فلم يكن في "اللاذقية" بائع "جميز" جوال غيره، ولم يورثها لأحد من بعده، حتى إن عربته ظلت موضوعة أمام بستانه لفترة طويلة دون أن تجد من يجرها».

الفنان "سمير الزوزو"

أما الباحث "زياد عجان" فيقول عنه: «منذ أن ولدت وحتى الآن لم أعرف بائع "جميز" جوالاً غيره، فهو ظاهرة فريدة في مجتمع "اللاذقية"، كما أنه بائع ثمار فريدة نوعاً ما، حيث لم يكن هناك الكثير من أشجار "الجميز" في "اللاذقية" سواء في الماضي أو الحاضر، ما أكسبه خصوصية إضافية، وعلى الرغم من أنني لم أكن من هواة "الجميز" إلا أن صوته مازال عالقاً في أذني إلى الآن».

جدير بالذكر أن "الجميز" شجرة عملاقة يقال إنها إفريقية الأصل، ولها ثمار تشبه "التين"، ومعروف عنها أنها تنضج مع اكتمال القمر، حيث كان الأطفال يترقبون القمر حتى ينتشروا على الشجرة لقطف الثمار وتناولها.

غصن شجرة جميز يعج بالثمار

  • ملاحظة: لا يوجد أي صورة للراحل "جوان الجوني"، والصورة الرئيسية هي لبائع عربة جوال كان يجول "اللاذقية" قديماً.