اختار اتحاد الكتاب العرب رواية الكاتب "هاني الراهب" "الوباء" كواحدة من الروايات المئة الأوائل في تاريخ الأدب العربي، حيث استطاع تغيير مفاهيم الرواية العربية التقليدية وجعل منها هاجساً مجتمعياً نابضاً بقضايا المجتمع والوطن.

ولد "هاني الراهب" كما تقول سيرته الذاتية في أيار عام 1939 لوالد طيب أصم وأبكم في أسرة مؤلفة من تسعة أفراد، أمضى طفولته في رعاية أمّه وأبيه وبعض إخوته، وبدأ دراسته في مدرسة القرية الابتدائية، إلى أن توفي أخوه عليّ الذي كان يعمل في اللاذقية ويتولّى رعاية العائلة بكاملها عن عمر لم يتجاوز اثنين وعشرين عاماً. حيث تولّى أخوه سليمان، رعايته حتّى حصل على المرتبة الثانية في الثانوية العامة على مستوى سورية فمنح مقعداً مجانياً في جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية كما منح راتباً شهرياً.

في عام 1960 أعلنت دار الآداب عن مسابقة للرواية العربية اشترك فيها أكثر من مئة وخمسين كاتباً عربياً، وقتها كان هاني الراهب طالباً في جامعة دمشق في السنة الرابعة، وكان أن فازت روايته «المهزومون

تخرّج في كلية الآداب وعُيّن معيداً في قسم اللغة الإنكليزية، ثم ما لبث أن منحته الأمم المتحدة مقعداً في الجامعة الأمريكية في بيروت، وخلال عام واحد، حصل على شهادة الماجستير في الأدب الإنكليزي، وحصل من جامعة لندن على شهادة الدكتوراه خلال سنتين ونصف.

يتحدث الأستاذ "أيمن ياسين" مدير المركز الثقافي في عين البيضا (تجاور مشقيتا) عن بدايات هاني الراهب الروائية في حديث لمدونة وطن eSyria بتاريخ 5/4/2013 فيقول: «في عام 1960 أعلنت دار الآداب عن مسابقة للرواية العربية اشترك فيها أكثر من مئة وخمسين كاتباً عربياً، وقتها كان هاني الراهب طالباً في جامعة دمشق في السنة الرابعة، وكان أن فازت روايته «المهزومون» بالجائزة الأولى، ليبرز الراهب فوراً ككاتب يمتلك رؤياً من نوع خاص، يمتلك حدساً بالمستقبل يقترب من النبوءة في بعض ملامحه. لقد رفض هاني الرّاهب الكتابة التقليدية، ونادى برواية جديدة في تقنياتها تتجاوز حدودها الوطن، دافعاً بها إلى آفاق جديدة، مكوّناً لنفسه مجرى خاصاً به، مستقلاً وبالغ الأهميّة في الأدب العربي والعالمي، في وقت، اكتفى فيه كثير من الكتّاب، بالقصة والرّواية الكلاسيكيّة التي تهدف إلى كتابة تاريخ الإنسان كمؤرّخين يكرّسون أنفسهم كشاهد على حياة بعض الأشخاص، ناقلين تجاربهم المعيشة فقط دون أن يدخلوا في عمق التأريخ نفسه».

ويقول الأستاذ "محمد شاكر حسن" عن هاني الراهب: «إنه روائي سوري من أصحاب الكلمة المغيبة، اقتحم بوابة الرواية بثقة وجواز مرور واحتلت نصوصه موقعاً واضحاً في الأدب القصصي والروائي السوري والعربي المعاصر، وقد نحى منحى جديداً في الكتابة الروائية واستفاد كثيراً من مطالعاته وقراءاته في الآداب والثقافات العالمية المختلفة ووظف كثيراً مما اكتسبه في آثاره وأعماله.

عاش هاني الراهب في زمن الانقلابات والعواصف والصراعات الفكرية التي أعقبت نكسة حزيران، ومات في الرمال التي غطت أرض الوطن العربي بعد عاصفة الصحراء والهزيمة الكبرى في العراق، تاركاً ومخلفاً وراءه الصدق والوهج وألم الفقدان ووجع الغربة والأسئلة عن الذات والحالة العربية الراهنة».

في رواية المهزومون كما يقول الأستاذ "عبد الكريم ناصيف" في حديث عن الروائي «ابتعد الراهب عن الاتباعية والمحاكاة في ميدان الرواية العربية لينفرد بذاته شاهداً على عصر بدأت فيه تحولات جذرية في المجتمع من أجل صنع مجتمع جديد بصيغ وعلاقات جديدة. فيعلن " بِشر" بطل رواية "المهزومون" وطالب الجامعة عن أفكاره وفي مقدمتها النقمة على المجتمع والثورة عليه، فيقول في أكثر من مكان إن المجتمع صفر، أي إن البطل يدين المجتمع ككل، يلغيه باعتباره لا قيمة له كالصفر».‏

واستعاد الدكتور "عبد الله أبو هيف" عبر مداخلة قدمها في ندوة تكريمية للروائي أقيمت في اللاذقية قبل فترة منجز الروائي فقال: «هاني الراهب من الروائيين العرب القلائل الذين جددوا السرد الروائي، وحدثوا تقاناته نحو التعبير الاستعاري الشامل عن تأزم الذات العربية ومحن الوجود العربي من خلال تعاضد رؤاه الفكرية مع تعليقاته الوجودية والتاريخية. فصارت أغلبية رواياته مثار وعي بالتاريخ ومدار وعي بالذات إزاء اشتراطات الواقع المؤسسية».

يشار إلى أنه صدرت للروائي لاحقاً عدة ترجمات لأعمال نقدية عالمية ولرواية «غبار» لياعيل ديان، وألف كتاباً عن الشخصية الصهيونية في الرواية الإنجليزية، وله في القصة القصيرة «المدينة الفاضلة» وفي الرواية « المهزومون»، «شرخ في تاريخ طويل»، «ألف ليلة وليلتان»، «الوباء»، «التلال»، «المستنقعات»، «خضراء كالبحار»، «خضراء كالمستنقعات»، «خضراء كالحقول»، وغيرها وقد صدرت بمعظمها عن دار الآداب ووزارة الثقافة السورية.

انتقل هاني الراهب إلى جوار ربه في السادس من شباط عام 2000 ليرتاح من صخب الحياة وهمومها، ونام بجانب تلك الصّومعة التي كانت مصدر إلهامه في قريته مشقيتا على تلة عالية بجوار مزار جده الشيخ سليمان الراهب وقد كانت آخر رواية كتبها "رسمت خطاً في الرمال".