يتردد اسم المؤرخ والمترجم والمعلم "إلياس صالح"، مؤرخ اللاذقية الأشهر، بين صفحات الكتب والمراجع، ولكن الجيل الجديد يكاد لا يعرف عنه شيئاً رغم أنه كان بشهادات الكثيرين علماً من أعظم أعلام هذه المدينة.

يتحدث عنه الباحث والمؤرخ "عيسى أبو علوش" لمدونة وطن" eSyria بتاريخ 12/1/2013 فيقول: «ولد المؤرخ "الياس بن موسى بن سمعان صالح" كما تذكر روايات عديدة بتاريخ 26/1/1839 للميلاد في مدينة اللاذقية لأب رحل باكراً إلى فلسطين فتولت والدته تربيته والعناية به، فألحقته بالمدرسة الإنجيلية (مكان مشفى الأسد حالياً) فأتقن العربية والتركية وألم باللغات الفرنسية والإنكليزية والإيطالية واستطاع الاستفادة لاحقاً من هذه اللغات بكثافة».

يتألف بدوره من ثلاثة فصول، ويروي الفصل الأول منه تاريخ المدينة من بدء التاريخ حتى الفتح العربي للمدينة ويتناول الفصل الثاني اللاذقية أثناء الفتح العربي والحروب الصليبية وعهد المماليك ويبحث الفصل الثالث في المدينة تحت لواء الدولة العثمانية

تم تعيينه عام 1866 مترجماً بالقنصلية الأميركية في اللاذقية ثم تعاطى التجارة فترة ولم ينجح بها جيداً كما يقول المؤرخ "أسعد خليل داغر" في حديثه عن المؤرخ صالح، ويضيف المؤرخ "داغر": «تزوج عام 1872 من فتاة يونانية عن طريق أحد أنسبائها من بيروت وشرع عام 1873 بتأليف كتابه "آثار الحقب في لاذقية العرب"، انتدب إلى مجلس دعاوى القضاء وبقي فيه ردحاً طويلاً من الزمن وتم تجديد انتخابه عدة مرات نظراً لما كان يتمتع به من سمعة طيبة وخدمة للناس».

ويتحدث المؤرخ والباحث "عيسى أبو علوش" عن كتابه الأشهر فيقول: «هناك مخطوط وحيد من آثاره هو كتاب "آثار الحقب في لاذقية العرب". وهو أهم ما خلفه "إلياس صالح" كما أنه أهم ما كتب حتى الآن عن تاريخ اللاذقية، وهو حتى اللحظة مخطوط في ثلاثة مجلدات يقع في 466 صفحة بخط يده. وبدأ بتأليفه سنة 1873 وتوقف عن متابعة كتابته سنة 1881، ولم يقم أحد حتى اليوم بتحقيق هذا الكتاب وطبعه، ومخطوطته موجودة لدى أحد أنسبائه».

ويتابع: «يقسم هذا الكتاب المخطوط إلى قسمين، عنوان القسم الأول "في جغرافية اللاذقية ووضعها الحالي" وهو يشكل ربع الكتاب ويقدم دراسة مفصلة ودقيقة موثقة بالإحصاءات والأرقام عن وضع مدينة اللاذقية في عام 1873 أي في الوقت الذي كان يكتب فيه دراسته، ويتألف هذا القسم من عدة فصول يتناول فيها موقع اللاذقية الجغرافي وعدد سكانها ومنازلها والمباني الأثرية الموجودة فيها وتجارتها وصناعتها ووضع سكانها الاجتماعي كما يتناول وضع اللواء التابع إدارياً لمدينة اللاذقية (أي طرطوس وطرابلس ومصياف) فيبحث في مدنه ومبانيه التاريخية وسكانه وأحوالهم وأنهاره وحيواناته ومحاصيله وحالة الزراعة فيه ودخل الدولة في اللواء وخرجها منه».

أما القسم الثاني فعنوانه: "تاريخ لاذقية العرب" كما يقول الباحث أبو علوش و«يتألف بدوره من ثلاثة فصول، ويروي الفصل الأول منه تاريخ المدينة من بدء التاريخ حتى الفتح العربي للمدينة ويتناول الفصل الثاني اللاذقية أثناء الفتح العربي والحروب الصليبية وعهد المماليك ويبحث الفصل الثالث في المدينة تحت لواء الدولة العثمانية».

توفي المؤرخ "الياس صالح" كما يقول العديد من المؤرخين في 15 أيلول سنة 1885، وشيعت جنازته في الساعة الواحدة من بعد ظهر ذاك اليوم واشترك فيها موظفو الدولة ووكلاء القناصل وأعيان المدينة، وصلي على جثمانه في كنيسة مار سابا ودفن في المقبرة التابعة لها، وبعد الصلاة قام بتأبينه بعض الأدباء.

ويتابع الباحث أبو علوش فيقول: «وفي سنة 1946 عندما هدمت الكنيسة المذكورة لتبنى مكانها الثانوية الوطنية نقلت المدافن التي بجوارها إلى مقبرة "الفاروس" وعلى ضريحه نقرأ هذه الأبيات التي نظمها "أسعد خليل داغر":

كـريم بهذا اللحد بــــات موسدا / عليه غدا طـــــرف المـكارم نائحا

عماد العلى الياس صالح مذ هوى / على كل قلب خطبه شقَّ فادحا

مضت عـينه عنا وآثار فضله / يظلُّ شذاها في الملا الدهر فائحا

أتـاه مـن المولى الملاك مبشراً / لملقاه أحضان المسرة فاتحا

وناداهُ إذ لله أرختــهُ لجا / لالياس أضحى موطن الخلد صالحا

من أعماله الأخرى كما يقول المرحوم "جبرائيل سعادة" مؤلف مطبوع هو "خطبة في حقيقة التهذيب" وهو كراس صغير يقع في أربع وعشرين صفحة، وتكمن أهميته في أنه يعبر عن الأفكار التي كانت تجول في خاطر شاب كان في السابعة والعشرين من عمره يعيش في بلدة أصبح عدد سكانها حوالي أحد عشر ألف نسمة".

يقول فيه الدكتور "سليم الجريديني": «كان أديباً تفاخر بآدابه الأدباء، عالماً قد جمع من رياض العلوم أطيب الأثمار وشاعراً قد جنى من حدائق الشعر أذكى الأزهار»، ونقرأ في جريدة الأهرام القاهرية أنه "كان وديعاً حسن الأخلاق غزير المادة واسع الاطلاع، كاتباً لبيباً وشاعراً متفنناً" وتقول مجلة الجنان عنه إنه "كان وديعاً متواضعاً محبوباً أديباً، كان على جانب عظيم من الفطنة والذكاء فأصبح بكده وثباته كاتباً وشاعراً بليغاً... وبالجملة كان زهرة اللاذقية ورونقها".