تغلّبت "غادة حمادة" على الظروف الصعبة التي فرضتها الأزمة على عائلتها في "حلب"، فتأقلمت مع الحياة الجديدة بالسعي والعمل على مشروعها الصغير الذي بدأته بماكينة الخياطة على الرغم من امتلاكها لشهادتين.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 19 آذار 2018، المعلّمة "غادة حمادة"، فتحدثت عن مسيرة حياتها قائلة: «نشأت في بيئة تحب العلم وتهتم بتحصيلنا العلمي ونجاحنا. لم أعرف الاستسلام في حياتي، وكنت مسؤولة عن نفسي منذ الصغر، وفيما بعد مسؤولة عن محيطي المقرّب في العائلة، حيث كنت أساعد أمي في تأمين الحاجات المنزلية، درست المرحلتين الابتدائية والإعدادية في "حلب"، كنت أعلّم إخوتي ومسؤولة عنهم، وفي المرحلة الإعدادية اضطررت إلى ترك المدرسة بسبب أوضاع صحية عائلية».

نشأت في بيئة تحب العلم وتهتم بتحصيلنا العلمي ونجاحنا. لم أعرف الاستسلام في حياتي، وكنت مسؤولة عن نفسي منذ الصغر، وفيما بعد مسؤولة عن محيطي المقرّب في العائلة، حيث كنت أساعد أمي في تأمين الحاجات المنزلية، درست المرحلتين الابتدائية والإعدادية في "حلب"، كنت أعلّم إخوتي ومسؤولة عنهم، وفي المرحلة الإعدادية اضطررت إلى ترك المدرسة بسبب أوضاع صحية عائلية

وتتابع القول: «الرسم من هواياتي المفضلة التي وظفتها لاحقاً في عملي الحالي، وربما كان الشيء الوحيد الذي يجب أن أفعله الرسم، وعملت في عام 1980 محاسبة في شركة تجارية، إضافة إلى متابعة دراستي والنجاح في الثانوية العامة، ثم سجلت في عام 1983 بمعهد إعداد المدرسين، وتخرجت بعد عامين، وعلّمت في المدارس لسنوات عدة.

غادة أثناء العمل

سجلت في مركز الفنون التشكيلية للفنان "فتحي محمد" لصقل هوايتي، وتفوقت في الرسم والنحت تفوقاً لافتاً حينئذ. لم أكن مقتنعة بالتدريس، فعملت على تقديم الثانوية مرة ثانية، ودرست في كلية الحقوق بجامعة "حلب" وتخرجت، وكنت في تلك الأثناء قد انتقلت من التعليم إلى العمل الإداري في تربية "حلب"، وشاركت بتصنيع وسائل تعليمية (تقنيات التعليم)، وتم اختياري لكوني من العشرة الأوائل في المعهد، ثم قدمت استقالتي للعمل بمهنة المحاماة، لكن مرة أخرى ظروفاً صحية عائلية منعتني من العمل في هذا المجال، ثم الأزمة التي حلّت في بلدي».

السنوات الماضية فرضت على "غادة حمادة" مرحلة مختلفة، عنها تقول: «عملي اليوم لا يشبهني، لكن الظرف استدعى أن أجتهد وأصبّ كل قدراتي في سبيل الحياة وتأمين سبل العيش، فقد كنت أعمل في "حلب" بمجال التصميم لأقمشة محددة وأملأ وقتي بالرسم دائماً، وبعد بداية الأزمة نزحت مع عائلتي إلى مدينة "إدلب" مدة مؤقتة على أمل أن نعود بعد حين، فقضيت أغلب وقتي في المركز الثقافي، ولم تكن الحياة آمنة أو مساعدة للعمل، وفي عام 2014 قررنا المجيء إلى "اللاذقية"، وبدأت رحلة البحث عن حياة جديدة وعمل جديد، والتأقلم مع الظروف، خاصة أنني لم أعتد الجلوس بلا عمل».

دورة خياطة

وعن تأسيس مشروعها تتحدث قائلة: «أثناء زيارتي لإحدى الجمعيات الخيرية لاستلام (ووكر) يساعد والدتي على المشي والحركة، وجدتهم يجرون دورات خياطة في مقرهم، فقررت تعلم الخياطة، خاصة أنني أملك موهبة الرسم والتصميم؛ وهو ما يسمح لي بتوظيفها في مهنة الخياطة؛ وهي مهنة سهلة بالنسبة لي بوجود موهبة الرسم، وكانت بدايتي في "اللاذقية" بورشة خياطة وتصميم، ولطالما مشروعي الذي أردت تأسيسه يقوم على ورشة خياطة أعمل بها وأؤمن بها فرصة عمل لنساء كثيرات عرفتهن في "اللاذقية"، وهنّ بحاجة ماسة إلى العمل. ثم ذهبت إلى دير "مار يعقوب" حيث يجرون دورات خياطة أيضاً، ويمنحون المتفوق ماكينة خياطة يتابع مشروعه بها خارج الدير، وبذلك حققت جزءاً من مشروعي ومنحوني ماكينة وأصبح مردودي الاقتصادي مقبولاً. وبعد ذلك أخذت مشغلاً صغيراً وبدأت بورشة خياطة صغيرة من التصليحات البسيطة إلى التصميم والخياطة، وممارستي المستمرة جعلتني خيّاطة معتمدة في المنطقة، وأستعد حالياً للإنتاج في هذا المجال وأسعى إلى التصميم».

أما المدرّسة "سوسن ديوب" المتطوعة في جمعية "إيثار" الخيرية، فتقول عنها: «عرفتُ "غادة" منذ سنوات حين قامت بدورة خياطة في الجمعية، بهدف خلق عمل لها أو الحصول على فرصة عمل في مكان ما، لكن بإصرارها استطاعت القيام بمشروع مستقل على الرغم من الصعوبات التي واجهتها، وخاصة أنها المعلمة والمحامية التي فقدت حياتها الطبيعية بسبب الأزمة، فلم تستسلم وصممت أن تعمل وتوظف موهبتها في الرسم والتصميم بعمل يجعلها مستقلة اقتصادياً. وهي رمز للنضال والإرادة، فقد تحدت الظروف كلها وأثبتت نفسها بالاستمرار والعمل، ونجحت في عملها وصنعت اسماً لنفسها في هذا المجال».

سوسن ديوب

يُذكر أن "غادة حمادة" من مواليد مدينة "حلب"، عام 1964.