ابتكر فكرة جديدة مبتدعة وصحية في عالم الصناعة الغذائية تحمل في طياتها فوائد كثيرة للإنسان، من خلال "دبس الجبس" المصنع يدوياً، فأنشأ مشروعاً صغيراً لإنتاجه، يصنعه صيفاً ويبيعه طوال العام.

يقول المثل الشعبي في الجبال الساحلية استعداداً للشتاء الماطر والبارد: (نيّال مين لمّ العفير ودبّس، وملّى بيتو حطب ميبّس)، هذا التفكير الصحي هو ما يسعى إليه الدكتور البيطري "نزار سليمان" من قرية "جيبول" في ريف "جبلة"؛ الاختصاصي بالصحة العامة لزرعه في العقول، ويقول في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 تموز 2015: «مع تطور الإنسان دخل السكر الصناعي (الحر) بقوة إلى صناعاته الغذائية وانتشرت صناعة المربيات والحلاوة والحلويات والسكاكر؛ التي يمثل السكر الصناعي 50% من مكوناتها أو أكثر، ويضاف إليها معظم الأحيان منكهات اصطناعية ومواد حافظة وملونات؛ وهو ما ساهم إلى حد كبير بتطور أكبر مشكلة صحية في الزمن الحالي ألا وهي البدانة وخاصة عند الأطفال، إضافةً إلى الأمراض المزمنة التي ترافقها كالضغط والسكري وتسوس الأسنان، ونتيجة هذا أصبح الإنسان أكثر رغبةً للارتقاء بصحته وذلك بالحصول على غذاء طبيعي مثل "دبس الجبس"».

حيث كل 20كغ "جبس" تُنتج 1كغ دبس تقريباً، وهذا يرتبط بدرجة كثافته وحلاوة الثمار، وفي ذروة الموسم يكون سعر 1كغ "جبس" 25 ليرة سورية، وتكون تكلفة 1كغ دبس حوالي 500 ليرة سورية من دون احتساب الوقود والجهد، وأخيراً، يمكن أن يحفظ لسنوات بدرجة حرارة متوسطة إن كان من الدرجة الأولى

يتم تصنيع "دبس الجبس" بالمرور عبر المراحل التالية، وهي: (عصر، تصفية، غلي للتكثيف، تعبئة)، يشرح "سليمان" موضحاً الطريقة: «يتم بدايةً اختيار عدد من ثمار "الجبس" الأخضر الناضجة، حيث نقوم بغسلها جيداً، ثم نقطعها من المنتصف عرضياً من دون تحزيز؛ حيث تصبح نصفي كرة، ونبدأ هرس لبّ "الجبسة" باليدين معاً من دون استخدام أداة طاحنة، وكلما كان الهرس أكبر نتج عصير أكثر، ثم يُسكب الناتج في مصفاة عليها قطعة قماش لإجراء التصفية الأولى، ويمكن استخدام القوة العضلية بفتل قطعة القماش لاستخلاص معظم العصير.

دبس درجة أولى

ثم نقوم بغلي العصير للتكثيف؛ حيث تمر عملية الغليان بثلاث مراحل؛ في الأولى يتم غلي عصير "الجبس" على نار الحطب (يفضل ذلك) من دون غطاء، وإن كان هناك خوف من تساقط أجزاء الرماد في العصير يمكن تغطية الإناء بشبك معدني ناعم (منخل)، وفي هذه المرحلة يكون الغليان "فوَرَانياً" وهائجاً مع كثير من الرغوة التي يجب إزالتها كل 15 دقيقة، وفي نهاية مرحلة الغليان الأولى ينقص حجم العصير حوالي 35%، وباستمرار الغليان نصل إلى المرحلة الثانية؛ حيث تنقص كمية العصير حوالي 70% ويصبح أقل فوراناً وأقل هياجاً وذلك بسبب نقصان النسبة المئوية للماء في العصير، ونستمر في هذه المرحلة بإزالة الرغوة لأنها تسيء لخواص الدبس ونكهته، وفي نهاية هذه المرحلة تتم التصفية الثانية لضمان الحصول على دبس صافٍ ونقي، وهي ضرورية للحصول على دبس صافٍ جداً، ويمكن الاستغناء عنها، لكن سينتج دبس غير نقي (من الدرجة الثانية).

تتم التصفية الثانية باستخدام عدة قطع قماشية تُستخدم مرة واحدة من دون استخدام أي قوة أو ضغط، وإذا كان لدينا حجم كبير من السائل نستخدم عدة أوانٍ وعلى كل منها قطعة قماشية، ثم نعيد ناتج التصفية النقي إلى وعاء الغلي للحصول على دبس من الدرجة الأولى، ونقوم بتغطيته بشبك معدني لتلافي سقوط أي جزيئات في السائل، أما البقايا الخشنة فيمكن غليها في وعاء آخر لنحصل على دبس من الدرجة الثالثة؛ حيث يُنصح باستهلاكه خلال شهر فقط، وهو غير مناسب للحفظ مدة طويلة، أثناء عملية الغلي في المرحلة الثالثة يجب الانتباه إلى فكرتين: الأولى أن تكون النار هادئة مع الانتباه إلى عدم تجاوز اللهب السطح السفلي للإناء لكيلا يحرق حواف الإناء؛ وبالتالي سيؤدي إلى طعم محروق، (ويمكن الاستعاضة في هذه المرحلة عن الحطب بغاز عادي ليتم ضبط اللهب بدقة)، والفكرة الثانية: يجب اختبار لزوجة السائل بأخذ ملعقة دبس وتبريدها بالهواء وملاحظة القوام بعد التبريد؛ وهذه العملية أدق عملية في تحضير الدبس؛ إذ إن عدم ضبطها بدقة سيؤدي إلى إنتاج دبس كثيف جداً أو قليل الكثافة، وعند الوصول إلى الكثافة المناسبة يُبعد الإناء عن النار مباشرة ويترك ليبرد قليلاً ثم يعبأ في أوانٍ زجاجية جافة تماماً ونظيفة».

غليان مع فوران

من ميزات "دبس الجبس" أنه منتجٌ طبيعي بالكامل، وحلو المذاق ولذيذ جداً، ومتعدد الاستخدامات، ويقول "نزار": «يمكن استخدامه كطعام بديل للمربيات في الشتاء البارد؛ خاصة للأطفال المولعين بالسكاكر، أو كشراب بارد ممدد في الصيف الحار، كما يمكن إضافته إلى الحلويات و"البوظة"، ويمكن أيضاً استخدامه في التحلية كبديل للسكر الصناعي؛ ولعصائر الفواكه والكوكتيل، وهو صحي؛ إذ لا يحتوي على سكر صناعي أو بقايا مبيدات سامة أو مواد حافظة، وبيئي؛ إذ يُفضل صناعته باستخدام نار الحطب لأنها أوفر اقتصادياً وأسلم بيئياً، كما أن بقايا القشور يمكن استخدامها كعلف أخضر للأبقار والأغنام، وبالنتيجة استفادة كاملة من الثمرة».

صناعته سهلة جداً وسَلِسَة واقتصادية، ويمكن إنشاء مشروع صغير لإنتاجه وبالتالي إغناء التنمية الريفية، يضيف: «حيث كل 20كغ "جبس" تُنتج 1كغ دبس تقريباً، وهذا يرتبط بدرجة كثافته وحلاوة الثمار، وفي ذروة الموسم يكون سعر 1كغ "جبس" 25 ليرة سورية، وتكون تكلفة 1كغ دبس حوالي 500 ليرة سورية من دون احتساب الوقود والجهد، وأخيراً، يمكن أن يحفظ لسنوات بدرجة حرارة متوسطة إن كان من الدرجة الأولى».

د.نزار سليمان

طبيب الأسنان "جلال حسن" استخدم "دبس الجبس"، وعنه يقول: «شتان ما بين نكهته والنكهات الصناعية التي تضاف إلى المربيات أو العصائر التي هي مركبات كيميائية ملوثة تسبب الكثير من الأضرار الصحية، فـ"دبس الجبس" ذو الطعم الحلو والنكهة العطرية الزكية، لاحظت أنه كالعسل عندما تناولته صباحاً من حيث الطاقة التي شعرت بها، كما استخدمته في تحلية عصير الليمون بدلاً من السكر الصناعي، فسكر الفواكه الموجود في الدبس سكر متعدد لا تستطيع جراثيم الفم تفكيكه بعكس السكر الأبيض (سكر أحادي) الذي تتغذى عليه الجراثيم وتنتج أحماضاً تخرب بنية الأسنان، والنقطة الأخرى التي لاحظتها هي جودة إنتاجه وقدرته على مقاومة العوامل التي قد تخرب الأغذية؛ حيث بقي "دبس الجبس" محافظاً على النكهة والطعم واللون طوال عام كامل، فهو بحق منتج ريفي جديرٌ بأن نصنعه في منازلنا».