تؤثر الأغذية التي نتناولها في حياتنا وفي أنماط تفكيرنا أيضاً، من هذه البديهة العلمية بدأت تجربة تقودها مجموعة نساء للعودة إلى طبخ الأم الصحي الذي يتفوق على الأكل الجاهز صحياً.

"نحن نستمتع بالأكل كما لو كنا نعشقه، لذلك نبحث عن الجيد والمميز، والمطبخ السوري معروف بهذه الجودة"، يقول الشاب "غياث الهلالي" القادم من "القامشلي" ليكمل الماجستير بعد تخرجه في كلية الاقتصاد في جامعة "تشرين"، في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 آذار 2015، ويضيف الشاب: «كنت سابقاً أتعامل مع الأكل الجاهز، ولكن بعد معرفتي بهذه التجربة توقفت عنه ووجدت الفرق كبيراً في الطعم والعلاقة الإنسانية مع الطعام نفسه، هنا تجد "حنيّة" الأم في كل أكلة تأكلها».

انطلقت بالفكرة من الحاجة إلى تقديم طعام صحي للطلاب ولمن يرغب من الناس؛ وخاصة أولئك الذين لا يسعفهم الوقت لتجهيز طعام بيتي مناسب

لأسباب كثيرة يلجأ الناس والطلاب خصوصاً إلى الأكل الجاهز، منها بعدهم الجغرافي عن عائلاتهم، ولذلك فكرت مجموعة سيدات بقيادة السيدة "سحر حميشة" بافتتاح مطعم يقدم أكلات مطبخ الأم إلى عموم الجمهور.

سحر حميشة

تقول صاحبة الفكرة المهندسة "سحر حميشة": «انطلقت بالفكرة من الحاجة إلى تقديم طعام صحي للطلاب ولمن يرغب من الناس؛ وخاصة أولئك الذين لا يسعفهم الوقت لتجهيز طعام بيتي مناسب».

في التفاصيل، تقول "سحر": «انطلقت بالفكرة منذ خمسة أشهر، غايتي كانت طلاب الجامعة الذين يقضون أياماً كثيرة يأكلون الأكل الجاهز المنتج في الأسواق، وهو عملياً نفس التركيبة الغذائية رغم اختلاف التسميات؛ فهو في الأغلب مقلي مع البهارات والطعومات الصناعية من دون أي تنويع في الفيتامينات والنكهات، وحسب بعض الدراسات فهو يسبب الأذى على المدى الطويل، لذلك فكرت بافتتاح مطعم يقدم الأكل المنزلي لهم وبأسعار مشجعة للجميع ولمختلف الشرائح، وبنيت القائمة الأسبوعية على مجموعة من الأكلات السورية المعروفة والمتنوعة بين بروتينات اللحوم وفيتامينات الخضار، فقدمنا في المرحلة الأولى "شيش برك"، و"شاكرية"، و"ورق عنب"، و"رز" مطبوخ وحده، وهكذا تدريجياً حتى أصبح لدينا طيف واسع من هذه المأكولات».

ندى الجندي

بعد بطء في الشهرين الأولين؛ استطاعت المبادرة أن تقف على قدميها وبثقة، مستقطبة عشرات الطلاب رغم البعد النسبي عن الجامعة (المشروع السابع تقريباً)، وتستمر رغم التقلبات اليومية في أسعار الخضار والمواد الغذائية في السوق، تقول "حميشة": «للأكل مرابحه المعروفة، وتصل أحياناً إلى الضعف، إلا أننا اكتفينا بنسبة الربع وحتى أقل أحياناً كثيرة، المهم كان تقديم الوجبات الشرقية وحتى الغربية بطريقة صحية ونظيفة وصحيحة للطلاب ولمن يرغب من الناس، وقد بدأ الناس يعتادون طعامنا وذوق "مطبخ صحة" الذي نراعي فيه كل ما سبق، ونضيف إليه اللمسة البيتية التي لا تخفى على المتذوق».

تحقيق الربح أمر مطلوب في أي مشروع اقتصادي، ولكن على ألا يطغى على الهدف الأساسي له، تقول "حميشة": «من الطبيعي ذلك، ولكن حتى مع تقلبات الأسعار نحافظ على أسعارنا تقريباً، فهامش الربح حتى اليوم مقبول نسبياً قياساً بما تسعر به الوجبات الجاهزة في السوق».

غيث الهلالي

لم تكن "سحر" وحدها، شارك معها في المغامرة عدد من الصبايا والسيدات، تقول السيدة "ندى جندي" التي وجدت فرصة عمل مناسبة لها؛ وهي اليوم الطباخة الرئيسة في المطعم الصغير: «"الأكل نَفَس"، هكذا نعرف من أمهاتنا وجداتنا، ونحن ننقل هذا "النفَس" للمأكولات خاصتنا، نعتني بالوجبات كما لو كنا سنقدمها لأبنائنا وبناتنا، فالجودة التي بدأنا فيها التجربة لم ولن نتخلّ عنها لأنها سر نجاحنا مع الناس والطلاب، وهم تعودوا طعامنا وأصبحنا بالنسبة لهم مقصداً يومياً لتقديم مختلف أنواع الوجبات التي يطلبونها عادة في بيوتهم».

تعد "ندى" "التبولة والفتوش" والفطائر أيضاً، كما تعد أكلات من المطبخ اللاذقاني عند الطلب، ولا تتوانى عن تقديم أصعب الوجبات وبأسعار مقبولة لدى الجميع، "البرياني" واحدة منها، والفطائر المثلثة الصغيرة المصنوعة من السلق أيضاً، وكلها تمثل هدفاً يومياً لعشرات الطلاب في الجامعة وخارجها، المطعم الصغير يستقبل اليوم طلبات توصية قبل يوم كامل من إعدادها وتجهيزها لمن يرغب وبالتوقيت المناسب.