لم تعد البرمجيات الهندسية ترفاً يختار التعامل معه بعض المهندسين المقتدرين، بل أصبحت حاجة ضرورية تفرضها تغييرات في فلسفة سوق العمل نفسه، فلم تعد أعمال كثير من شرائح المجتمع، ومنها الأعمال الهندسية تقبل الطرائق التقليدية في العمل، فعاملا الوقت والجودة أصبحا مقياساً رئيساً لتنفيذ أي عمل وتقييمه اقتصادياً وخدمياً.

هذه الصورة المستحدثة صبت في روح معرض "البرمجيات الهندسية" الذي أقيم في كلية "الهندسة" في جامعة "تشرين" بالتعاون مع "الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية" في "اللاذقية" أمس الأول، وقد شهد إقبالاً كبيراً يؤكد الانتقال الحقيقي لفلسفة الأعمال إلى مواقع جديدة لن تستغرق وقتاً طويلاً حتى تكون قانون السوق، خاصة في مرحلة إعادة الإعمار القادمة في البلد.

في أحيان كثيرة، أفكار صغيرة قد تقي محطة كهربائية كاملة حدوث أية أخطاء غير متوقعة، فالبرمجيات تتيح محاكاة شاملة لكل أجزاء المحطات مثلاً، وهو ما يعني قدرتنا على تلافي العمل بطريقة التوقعات إلى العمل في نقطة العطل تماماً

تنوعت البرامج التي غطاها المعرض، فهناك برمجيات متخصصة بقطاع البناء، وأخرى في قطاع المواصلات، وثالثة في قطاع الهندسيات الصغرى، ورابعة في قطاع الكهرباء والميكانيك، كذلك كان للعمارة حصتها المناسبة، هذا التنوع يفيد كما قال الطالب "وسيم إمام" سنة خامسة "إدارة تشييد" في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 24 تشرين الثاني 2014، «تقديم صورة بانورامية شاملة لكل القطاعات الهندسية، فلا يكفي للمهندس المهتم أن يلم بجانب واحد من عمله، فالأعمال أصبحت مترابطة مع بعضها بعضاً، فالمهندس الإنشائي يحتاج إلى الطبوغرافيا وإلى الكهرباء والميكانيك والتخطيط، وغيرها من القطاعات، العمل سلسلة متصلة حتى الوصول إلى الجودة المتكاملة لأي عمل هندسي، وفي أي قطاع كان».

من البرمجيات

ولأن قانون السوق الاقتصادي يعتمد على تقديم أفضل الخدمات بجودة ودقة عاليتين وزمن قليل، فقد واكبت البرامج الهندسية هذه الاحتياجات، تسمح بعض البرامج بتقديم محاكاة كاملة لأي مشروع هندسي حتى إلى وقت لاحق لتنفيذ المشروع كما هو الحال في دراسة إمكانية حدوث الزلازل بعد سنوات على إقامة المشروع، يقول المهندس "بشار نصير"، من "الباحثين السوريين"، ويضيف: «نستخدم اليوم محاكاة شاملة simulations لأي مشروع، من اختيار المكان وصولاً إلى عشر سنوات من التنفيذ بما يسمح كلية بتدقيق تنفيذ المشروع بالتعاون مع الجهة المنفذة بدقة تنتفي فيه الحجج التي يستخدمها كلا الطرفين في العمل، حتى إنه يمكننا حساب الطوارئ في أي مشروع، مثلاً هطول المطر في أوقات تنفيذ المشروع خارج الطقس المعتاد بما يجعل من حساب مدة تنفيذ المشروع دقيقاً».

تغيير طرائق التفكير التقليدية هو من مسؤولية المهندسين الجدد المفترض بهم تغييرها ونقلها إلى مستوى من الاحترافية التي يحتاجها البلد في قادم الأيام، يقول المهندس "فؤاد ملّا" من كلية العمارة: «نعرف أن إعداد المشاريع سابقاً كان يقتصر على بناء ثلاثي الأبعاد للمشروع، اليوم يبنى المشروع على 7 أبعاد، يدخل فيها عامل الزمن والجودة والصيانة والإطار المعماري والبيئي، وهذه النقلة النوعية في الأعمال تتطلب منا نقل هذه الأفكار إلى سوق العمل بطريقة صحيحة، تتيح فهم آلية إنتاج هذه الأفكار على أرض الواقع، وحتى تغيير طرائق تفكير المتعهدين في كافة قطاعات الأعمال، الذين يركزون على عوامل أكثر من غيرها، علينا أن ننقل صورة جديدة لهم تحمي المشاريع من جهة من فقدان عوامل الجودة والتميز، وتعطيهم في نفس الوقت معرفةً حقيقية بمفهوم الجودة المجتمعية وعامل السمعة في سوق العمل».

م.وسيم ملا وزميله طارق

وفي نفس الوقت الذي تتوافر فيه هذه البرامج فإنها تتحرك بسرعة أيضاً إلى عالم التطبيقات المستحدثة في الخلوي، وهذه أيضاً من النقاط المهمة في توطين هذه البرامج وسهولتها في نفس الوقت، يقول المهندس "علاء ناصر" من مديرية "الخدمات الفنية" في "اللاذقية" إن الحاجة إلى تطوير الكود الهندسي السوري ليلحق بعالم الخلوي قد باتت ملحة أيضاً، خاصة مع انتشار الأجهزة الحديثة التي تتقبل هذه البرامج بحكم بناء نسخ منها على منصات الأندرويد والأنظمة مفتوحة المصدر التي هي بوجه أو بآخر مستقبل هذه البرمجيات في كثير من دول العالم.

من جانب آخر، فإن توطين هذه البرامج في مؤسسات القطاع العام يبدو أكثر إلحاحاً في ظل الدور الكبير الذي ظهر به هذه القطاع عبر سنوات الأزمة، كما في قطاع الكهرباء، يقول المهندس الكهربائي "علاء حسن" من مشاركي المعرض: «في أحيان كثيرة، أفكار صغيرة قد تقي محطة كهربائية كاملة حدوث أية أخطاء غير متوقعة، فالبرمجيات تتيح محاكاة شاملة لكل أجزاء المحطات مثلاً، وهو ما يعني قدرتنا على تلافي العمل بطريقة التوقعات إلى العمل في نقطة العطل تماماً».

شرح مستفيض

ولكن هل لهذا الكلام تأثير بالواقع السوري الحالي أو القادم؟ طرحنا السؤال على المشاركين في المعرض، الدكتور "عباس عبد الرحمن" رئيس "اللجنة الإدارية للجمعية العلمية السورية للمعلوماتية" قال: «إن الأمر مرتبط بسياسات السوق التي تزيد متطلباتها تدريجياً، والجودة على رأس هذه المتطلبات عالمياً، ومن ثم خبرات المهندس المختص في الشركات التي تنفذ هكذا مشاريع، كل الأطراف المشاركة في أي مشروع من مصلحتها تنفيذ المشروع بما يضمن حقوقها وأرباحها في ذات الوقت، هذه المعادلة تجد طريقها للتنفيذ عندما يكون المهندس الدارس والمنفذ والمدقق مع متعهد المشروع واعين لعناصر أي مشروع ولمستقبله أيضاً، اليوم لم يعد سوق العمل يرضى بغير الاختصاصين فلا وقت لديه للتدريب، هناك طلب دائم على المهندس الذي تلقى قدراً معقولاً من التدريب خارج المؤسسة، في أحيان أخرى يكون التدريب على جديد هذه البرامج في الشركات المعنية».

لا نزال بحاجة إلى العمل بجهد كبير لنقل هذه الأفكار المهمة إلى حيز التطبيق بالتعاون بين القطاعات المختلفة، ويبدو أن التوطين الأول يجب أن يمر بمؤسسات الدولة ثم المجتمع.