مع غلاء الأسعار وازدياد المعيشة صعوبة نتيجة الظروف الحالية، بدأ "علي سمندر" البحث عن حلول لمواجهة هذا الواقع، فعاد إلى الأرض التي خرج منها لتعينه على ذلك وينشئ فيها مشروعاً زراعياً أسماه "مزرعتي السعيدة".

"علي" اختار أقصر الطرق إلى الحل من خلال إقامة مشروع صغير يكون كفيلاً بتأمين احتياجاته المنزلية على أقل تقدير وتسويق الفائض إن أمكن، وهو يقول في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 أيار 2014: «هو مشروع بسيط لم يحتج إلا لقليل من التفكير من أجل استثمار المساحات الفارغة أمام منزلي وتأمين مبلغ صغير لشراء البذار اللازم للبدء بالزراعة».

تعلمت من خلالها الكثير مما كنت أجهله سابقاً، وعرفت أي المزروعات التي لا تصلح لهذه المنطقة وأيها يصلح وأخذت أركز على زراعتها في مواسمها

وأضاف "سمندر" الذي يقيم في منزل ريفي بقرية "الأشرفية": «إنه الحل الأسهل والأكثر فائدة، فأنا أعيش في الريف والأرض موجودة من حولي وإن كانت مساحتها ضيقة إلا أنها تفي بالغرض، ويمكن توظيفها بطريقة إبداعية وهذا ما فعلته لاحقاً، حيث جعلت منها "مزرعتي السعيدة"».

"علي سمندر" يداعب سخلته

بدأ "علي" مشروعه بنفق صغير (بيت بلاستيكي) لا تتجاوز مساحته 30 متراً مربعاً، واستطاع من خلاله أن يحقق إنتاجاً جيداً من الخضراوات المنزلية خصوصاً "البندورة، الخيار، الفليفلة، الباذنجان"، ولم يعد بحاجة إلى شراء هذه المواد من سوق الخضرة، وأصبح يأتي بها مباشرةً من الأرض إلى المنزل.

ما لبث المشروع أن بدأ يكبر ويتوسع وفق الإمكانيات المتاحة بحسب "سمندر" الذي يقول: «بعد نجاحي في تجربة البيت البلاستيكي قررت توسيع العمل وتطويره أكثر، وبدأت أستثمر كل مساحة في محيطي مهما كانت صغيرة، حيث قمت بالزراعة بين أشجار الليمون وفي زوايا الأرض، وحتى في بقع صغيرة لا تخطر في بال أحد، فزرعت النعنع والبقدونس والخس والفاصولياء واللوبياء وغيرها من المزروعات، وكل ذلك في مساحة لا تزيد على 200 متر مربع، وكلما حل موسم زراعة معينة أقوم بزراعتها، وهكذا تمضي المواسم وأمضي بالزراعة».

بيته البلاستيكي

لم يكن "علي" صاحب تجربة أو معرفة زراعية قبل البدء بمشروعه لكنه استفاد بعض الشيء من وجود والدته إلى جانبه؛ حيث قدمت له بعض المشورة، وتقول والدته "وحيدة سمندر": «أمضي معه بعض الوقت في الأرض، في البداية كنت أشور عليه بما أعرفه، وكان هو يضيف إلى معارفه من خلال التجربة، وشيئاً فشيئاً بدأ ينجح في عمله، فالأرض جيدة للزراعة إلا أن الظروف الجوية تغيرت كثيراً عن تلك التي كانت سائدة في العقود الماضية».

اعتماده الأكبر كان على التجربة هكذا يقول "سمندر" ويضيف: «تعلمت من خلالها الكثير مما كنت أجهله سابقاً، وعرفت أي المزروعات التي لا تصلح لهذه المنطقة وأيها يصلح وأخذت أركز على زراعتها في مواسمها».

في مزرعته

منذ عامين لم يشترِ "سمندر" أي نوع من الخضراوات، فكل حاجاته المنزلية تنتجها أرضه، ويبيع الفائض لكي يؤمن بعض الاحتياجات التي ليس بمقدوره إنتاجها محلياً "السمنة، الأرز... إلخ".

لم يكتف "سمندر" بالزراعة بل طور تجربته وأضاف إليها تربية المواشي والطيور، وعن هذه الإضافة يقول: «أسعار الحليب والبيض وما إلى ذلك أصبحت مرتفعة جداً، فقررت أن أستعيض عن شراء هذه المواد بإنتاجها محلياً وهكذا بدأت تربية الطيور ومن ثم المواشي وتحديداً "الماعز"، واستطعت بعد ذلك الاستغناء عن السوق وتأمين ما تحتاجه أسرتي من هذه المنتجات».

تقول زوجته إنهم تحولوا إلى عائلة مكتفية ذاتياً، وتضيف السيدة "سوزان عثمان": «هذه الأرض على صغر مساحتها تنتج كل الوجبات المنزلية اليومية، حيث ترتبط وجبة الطعام وخصوصاً الغداء بالموسم، ففي الموسم الصيفي أطهو من منتجات المزروعات الصيفية وكذلك في موسم الشتاء.. وهكذا، حتى إنني أؤمن مؤونتي من خلالها أيضاً، هذا الأمر وفر علينا الكثير من المصاريف وساعدنا على الادخار وشراء مستلزمات كنا بحاجة إليها سابقاً».

هذه المزرعة الصغيرة التي أمنت معظم احتياجات العائلة لا تحتاج الكثير من الجهد والوقت فهي لا تأخذ أكثر من ساعة من وقت "سمندر" يومياً، ويقول "سمندر": «العمل فيه الكثير من المتعة، إنني أنتظر يوم عطلتي من الوظيفة حتى أمضيه كله في الأرض بين مزروعاتي التي نشأت بيني وبينها علاقة حميمية، أراقب نموها وأشعر بها وكأنها أرواح تكبر أمامي».

ويضيف "علي": «في السابق كنت أقول لأمي توقفي عن العمل وارتاحي من الأرض، لكنني لم أكن أدرك أنني بذلك أضرها أكثر مما أفيدها، الآن أدركت أنها إن توقفت عن العمل ستمرض، هذا هو شعوري الداخلي تجاه نفسي إنني لم أعد قادراً على التوقف عن العمل فهو متعة المتع بالنسبة لي، إنه دوائي».

مزرعة "علي" السعيدة لم تنته حدودها عنده فهو سعى إلى نشرها وتعميم تجربته على محيطه، وعن ذلك يقول: «استطعت التأثير في الكثيرين من الأشخاص حولي، حتى إن أحد زملائي في العمل وهو مهندس أنشأ مزرعة تشبه مزرعتي، وأصبح يزرع كل احتياجاته بما فيها التبغ الذي يدخّنه، وأصبح هناك نوع من العلاقة الزراعية بيني وبين زملائي الذين شرعوا في العمل، حيث نتبادل الحاجيات أعطي أحدهم "صوصاً" فيعطيني "بطة"، وهكذا».

"مزرعتي السعيدة" كما يطلق "علي" على مشروعه الزراعي، تثبت أن للمشاريع الصغيرة أهميتها الكبيرة، وتؤكد أن الإنسان بمقدوره خلق فرصة عمله من محيطه بقليل من التفكير والجهد.