تسجل زراعة الأنفاق عودة قويةً إلى المشهد الزراعي في الساحل السوري بسبب عدد من العوامل، لعل أبرزها التكلفة العالية للبيوت البلاستيكية بالنسبة إلى الفلاح؛ التي أدت بشكل أو بآخر إلى انحسار عدد البيوت البلاستيكيّة في السهول الساحلية.

مدوّنة وطن "eSyria" التقت المُزارع "أيهم عبد الله" في قريته "سوكاس"، بتاريخ 11 كانون الثّاني 2014، للحديث عن الزّراعة المحميّة بواسطة "الأنفاق"، وعن تجربتهِ قال: «منذ أكثر من 10 سنوات وأنا أواظب على زراعة "الأنفاق" وخصوصاً أنفاق "الكوسا"، حيث تشكّل هذه الزّراعة داعماً للزّراعات المكشوفة ولمزارعِ "الليمون"، وذلك من أجل تحسين الوضع الاقتصادي عن طريقِ إنتاج "الخضراوات الباكورية"، فهذه الزّراعة تجعل الفلاح في سباقٍ مع الوقتِ ما يتطلّبُ منه الكثير من الجهد والتفرّغ».

لا يوجد إحصاء دقيق لعدد الأنفاق في السّاحل السّوري، وتختلف أعدادها بين قريةٍ زراعيّة وأخرى، وبين موسمٍ وآخر

وعن تهيئةِ البذار والشّتول تحدّث: «تُزرعُ البذار التي تكون عادةً عاليةَ الجودة ومكلفةً في أكياس صغيرةٍ تُرَصّ إلى جانب بعضها بعضاً في "مسكبةٍ" خاصّةٍ؛ حيث تُوضع في كلّ كيسٍ بذرةٌ واحدة فقط، ويتمّ الحفاظ عليها حتّى تنمو وتصبح صالحةً للزّراعة، ويتمّ تحضير هذه الأكياس أوائلَ تشرين الأوّل، ومثل هذه "المساكب" تكون قريبةً من المنزل.

مسكبة من الأكياس التي تزرع بها البذور

نقوم بعدها بتحضير مجموعة "مساكب" يتراوح طول كلّ "مسكبةٍ" من 10 إلى 12 متراً بعرض مترٍ ونصف المتر، ينظّف مكانها وتفلح وتُرفع بطبقاتٍ ترابيّةٍ أعلى من مستوى الأرض المجاورة، ويستخدم بعضُ المزارعين روثَ "الدّجاج البلديّ" حيث يُفرَش في أرضيّة النفق، وتتمّ زراعة الشّتول بدءاً من 15 كانون الأول إلى 15 كانون الثاني، ويمكن المغامرة بالزّراعة قبل هذا الموعد مع بذلِ جهدٍ إضافيٍّ لحماية ومتابعة "الأنفاق" حيث تتعرّض لكميّاتِ أمطارٍ قد تغرقها وتجرف الشّتول».

وتابع: «تتمّ زراعة خطّين متوازيين من الشّتول في النّفق الواحدِ، وأحياناً يُزرعُ خطٌّ واحدٌ، وتبعدُ كلّ شتلة عن الأخرى مسافة 70 سنتيمتراً لإعطاء مساحةٍ مناسبةٍ للامتداد ونموّ الأوراق دون إعاقة، ويتمّ غرز أقواسٍ من الحديد أو أغصان الشّجر المرنة في التراب لتغطيّة النفقِ بشرائح "النايلون" حيث يُغرز أحد أطراف "النايلون" في التّربة، ويبقى الطّرف الآخر حرّاً ويتمّ تثبيتُه بأكياسِ نايلون صغيرةٍ من التراب تسمّى "ثقّالة ترابية"؛ حيث تسمحُ بالتكشيف أثناء النهار المشمس والتغطية في الليل البارد».

أنفاق مغطّاة بطبقات من النايلون

وختم حديثه بالقول: «إذا نجح النفق الواحد من "الكوسا" بشكلٍ جيّد وذلك بعد مراعاة موعد زرع البذور، وموعد زرع الشتول، والتغطيّة المطلوبة لحمايته من المطر والصقيع، فإنّ موسم جني المحصول يتمّ أواخر شباط ويستمرّ عدّة أشهر، ويصل إنتاج النفق الواحد من 200 إلى 300 كيلوغرام».

وعن الأسباب التي جعلت المزارع يفكّر في الزراعة المحميّة بواسطة "الأنفاق"، تحدّث المهندس الزراعيّ "علي محمّد": «حدث ذلك نتيجة رغبةِ المزارع في السّاحل السّوري بإنتاج "خضراواتٍ باكوريّةٍ" شتائية مستفيداً من مساعدة الظّروف البيئيّة له؛ التي يمكن السيطرة على حالاتها السّلبية عن طريق بعض التدخّلات البشرية، حيث لا توجد درجات حرارة منخفضة جدّاً.

المزارع " أيهم عبدالله" بين أنفاقه

باستثناء بعض حالات "الصّقيع" التي يمكن الوقاية من أخطارها بوضعِ طبقاتٍ من النايلون، وببذلِ الجهد الذي مكّن المزارع واقعيّاً من إنتاجِ موسمٍ من الخضار قبل بداية الموسم الحقيقيّ بنحو شهرٍ إلى شهرٍ ونصفٍ الشهر، وهذا ما يترافق مع زيادة في سعر المحصول».

وتابع: «كانت هذه الزّراعات المحميّة شائعة بكثرة فيما مضى لكنّها انحسرتْ بسبب سيطرة البيوت البلاستيكية بشكلٍ كاملٍ، وبسبب عدم التنوّع في محاصيل "الأنفاق" لاقتصارها على نوعين اثنين من الزّراعات "الكوسا والباذنجان"، ومع ذلك تشهد "زراعة الأنفاق" عودةً مهمّةً في الكثير من قرى السّاحل بسبب التكلفة الماديّة المقبولة للمزارع مقارنةً مع تكلفة زراعات البيوت البلاستيكيّة».

وختم حديثه بالقول: «لا يوجد إحصاء دقيق لعدد الأنفاق في السّاحل السّوري، وتختلف أعدادها بين قريةٍ زراعيّة وأخرى، وبين موسمٍ وآخر».