في تلك القرية الجبلية البعيدة ومن ذلك البيت الريفي العتيق نشأت زراعة حديثة وراجت في المنطقة على نطاق واسع حتى أصبح البعض يبحثون في الأسواق عن "فطر القرندح".

زراعة الفطر في قرية "القرندح" التابعة لمدينة "جبلة" كيف انتشرت؟ وما هي طريقة زراعتها؟

الفطر يطهى بأكثر من طريقة منه الحساء عدة أنواع، الفطائر على التنور، مع المعكرونة، مع السلطات، بالإضافة إلى الشّي وهي من أشهى طرق طهوه على الإطلاق، وهناك من يقوم بطهوه مع البصل والزيت .... إلخ. الناس هنا يعتبرونه من الوجبات الهامة نظراً لكونه خفيف على المعدة وخال من السعرات الحرارية وقيمته الغذائية عالية

أسئلة حصلت على اجاباتها مدونة وطن eSyria خلال زيارته لقرية "القرندح" بتاريخ 26/2/2012، والبداية كانت مع السيدة "سلمى أحمد غريب" وهي واحدة من المزارعات الناجحات للفطر في الساحل السوري، وتقول "غريب":

زراعة الفطر

«منطقتنا عموماً وقرية "القرندح" التي نحن فيها خصوصاً مناسبة جداً لزراعة الفطر لكون درجات الحرارة فيها ضمن المستوى المطلوب تقريباً، فهو يتطلب درجات حرارة بين \15- 23\ درجة مئوية، وبالتالي فانه بإمكاننا زراعته طوال السنة باستثناء الفترة ما بين "تشرين الثاني" و"آذار" نظراً للبرودة الشديدة، أما بقية الفصول فبإمكاننا الحفاظ على درجة حرارة الغرفة ضمن هذه الحدود.

الفطر الذي نزرعه نحن يسمى "محاري" وهو يتميز بسهولة زراعته وعدم تكلفتها الزائدة، كما أن عملية تصريفه سهلة وهناك إقبال كبير عليه من قبل المطاعم والعامة والأصدقاء، وهو لا يحتاج لأكثر من مزارع واحد حتى ولو كانت المزرعة متوسطة الكبر».

الفطر وقد أصبح في وقت القطاف

وتضيف "غريب": «انتشرت هذه الزراعة على نطاق واسع في المنطقة مؤخراً وأصبح كل شخص لديه بيت عتيق ترابي أو غرفة قديمة أو عادية وما إلى ذلك يستثمره في زراعة الفطر، لقد حول أهالي المنطقة كل بيوتهم الترابية الى مزارع للفطر لكن هذه الحالة لم تستمر طويلاً وتراجعت الزراعة مؤخراً لعدة أسباب منها صعوبة تأمين البذار، وعدم دعمه من قبل الدولة وعدم وجود برادات لتخزينه، لكن السبب الرئيسي عدم وجود البذار».

السيدة "سلمى" حدثتنا عن استخدامات الفطر وقالت: «الفطر يطهى بأكثر من طريقة منه الحساء عدة أنواع، الفطائر على التنور، مع المعكرونة، مع السلطات، بالإضافة إلى الشّي وهي من أشهى طرق طهوه على الإطلاق، وهناك من يقوم بطهوه مع البصل والزيت .... إلخ.

السيد "عيسى" يستمع الى شرح وتعليمات المهندسة "سوسن"

الناس هنا يعتبرونه من الوجبات الهامة نظراً لكونه خفيف على المعدة وخال من السعرات الحرارية وقيمته الغذائية عالية».

طريقة زراعة الفطر "المحاري" حدثنا عنها المزارع "مشهور عيسى" من قرية "القرندح" (تبعد عن مدينة جبلة حوالي \40\ كم) أيضاً وقال: «هذه الزراعة بسيطة إلى حد ما وليست صعبة، في البداية نحضر "التبن" ويجب أن يكون خشناً وكلما كانت خشونته أكبر كلما ساعد أكثر على نمو الساق، بعد ذلك نقوم بغلي الماء ونضع التبن فوقه ونتركه يغلي حوالي \15\ دقيقة، ومن ثم نقوم بمده لكي يصفّى من مائه بحيث تبقى الرطوبة فيه.

عندما يصبح التبن جاهزاً نبدأ بوضعه بأكياس طولية، بين كل \5\ سم تبن نرش "نصف ملعقة فطر صغيرة" ونقوم بتكبيسها باليد حتى يتلاحم الفطر مع التبن ويمتنع عنه الهواء، ونستمر هكذا إلى ما قبل امتلاء الكيس بحوالي \5\ سم فنقوم بربطه بإحكام ونعلقه من الأعلى بشكل عمودي دون أن يرفع عن الأرض».

ويضيف "عيسى": «بعد تحضير الكيس نقوم بثقبه \6\ ثقوب \3\ في لقسم العلوي و\3\ في القسم السفلي إذا كان صغير الحجم وإذا كان كبيراً يصل عدد الثقوب إلى \11\ في مناطق مختلفة.

ومن ثم يترك لمدة \18\ يوماً في مكان مظلم ومعقم بطريقة جيدة، أول \4\ أيام لا أحد يدخل الغرفة وبعدها كل يوم علينا أن نقوم برش الماء في الغرفة من أجل الرطوبة \أكثر من مرة حسب درجات الحرارة\ حتى تنتهي فترة \18\ يوماً، لتبدأ مرحلة جديدة يسمح خلالها بتعريض الأكياس للضوء الخفيف من أجل المساعدة على عملية النمو، في حين تستمر عملية رش المياه والحفاظ على الرطوبة حتى انقضاء فترة \30\ يوماً، حينها تبدأ خيوط الفطر بالتشكل داخل الكيس وهنا علينا القيام بفتح منافذ لها لكي تخرج منها وهذه العملية دقيقة وتحتاج إلى خبرة وتأنّ لكي يخرج الفطر وينمو.

وما إن يمضي على خروجه \5\ أيام حتى نقوم بقطفه وفق الأسلوب الصحيح لكي يعاود نموه مرةً ثانية، وتستمر عملية القطف أحياناً لمدة \6\ أشهر».

السيد "شادي صقر" صاحب مطعم: «انتشار هذه الزراعة في ريفنا أمر مفيد جداً على اكثر من صعيد فهو يساهم في تخفيض الاسعار ويؤدي إلى حدوث منافسة ايجابية، وكلما شجعت هذه الزراعة أكثر تطورت أكثر، أنا كصاحب مطعم أفضل الفطر المحاري الذي يعملون به وهو فطر جيد ويرغب به الزبائن بشكل كبير، كما أن سعره مقبول الى حد كبير، لكن لدينا مشكلة في عدم وجود برادات ومعامل لتعليب الفطر خصوصاً أن صلاحيته بعد قطفه لا تتجاوز الأسبوع وبالتالي نحن بحاجة لتطوير هذه الزراعة وتأمين معامل للتعليب ما يفسح المجال للاستثمار الأمثل لهذه الزراعة ولا يجعلها مرتبطةً بموسم معين أو وقت معين أو بمرحلة قطاف معينة».

يشرف على هذه الزراعة ويدعمها الإرشاد الزراعي، وقد تحدث المهندسة الزراعية "سوسن أحمد" من الوحدة الإرشادية لموقعنا عن أهميتها قائلة: «هذه الزراعة هامة جداً وتحتاج إلى نظافة جيدة وتعقيم حتى إنه عليك تعقيم الثقوب في الأكياس لحمايتها من الجراثيم، وتحتاج متابعة لدرجات الحرارة ومحافظة عليها ضمن الحدود المطلوبة والبعض في فصل الصيف الحار يستخدمون أكياساً من الخيش يبللونها ويعلقونها بين الأكياس لترطيب المكان وتسريع النمو لأن الحرارة العالية تؤخر النمو.

أما فيما يتعلق بالتبن فهو بحاجة إلى الغلي وأيضاً لإضافة الكلس لأن مادة الكلس تساهم في تحويل الوسط من حامضي إلى قلوي وهو المناسب للنمو، وهنا تحديداً علينا استخدام التبن وليس الشعير لأنه الأفضل لنمو الميسيليوم، حتى إن هذا التبن يمكن استخدامه بعد جني المحصول كعلف للدواب أو يجفف ويستخدم كسواد للزراعة».

وعن أهمية هذه الزراعة قالت المهندسة "أحمد": «هذه الزراعة داعم قوي لاقتصاد الأسرة الريفية فهي من الناحية الاقتصادية تكاليفها بسيطة ورأسمالها خفيف والمتطلبات البيئية سهلة ومتوافرة في منطقة الساحل السوري عموماً، كما أن المواد الأولية من تبن وبذار متوافرة في المنطقة وبأسعار مقبولة جداً.

وهي زراعة رابحة وذات مردود جيد على المزارع فكل واحد كيلو غرام فطر يكلف حوالي \30\ ليرة كحد أقصى، في حين أنه يباع بأكثر من \100\ ليرة، وكل واحد كيلو غرام بذار يعطي \30\ كغ فطر».

وعن أسباب عدم انتشار هذه الزراعة رغم أهميتها وفائدتها على أكثر من صعيد، قالت المهندسة "أحمد": «في السابق كان هناك قلة معرفة بأهمية هذه الزراعة وقلة معرفة بالثقافة الغذائية ما استدعى تدخل الإرشاد الزراعي ونشر الوعي حول أهمية وفائدة هذه الزراعة، والآن هناك تطور واضح في انتشار زراعة الفطر وأصبحت رائجة إلى حد كبير، خصوصاً أن الأهالي والمزارعين لمسوا عن قرب الفائدة وعدم صعوبة هذه الزراعة.

الجميل في زراعتها أنها لا تحتاج إلى مكان ذي مقاييس عالية فأي بيت قديم مغارة في الريف قبو بيت تراب يمكن زراعته بداخلها وهذا عامل مشجع جداً ناهيك عن رخص المواد الأولية المستخدمة وعدم الحاجة لليد العملة».