شكّل النحات "عفيف آغا" بأنامله موهبة فنية فريدة جعلت أعماله تتميز عما سواها، وكثيراً ما كان يحاول في منحوتاته التعبير عن قضايا روحية وحياتية كثيرة، وفي مسيرته الفنية مشاركات محلية وخارجية واسعة ولا تزال مشروعاته الفنية الجديدة تستحوذ على جزء ليس بالقليل من اهتمامات الفنان.

كان للطفولة الأثر الأكبر في تشكل تلك الموهبة، خاصة عندما كان يعد تصميماته ضمن أشكال وبيوت من الطين الخام وبعض من الأشياء التي تدخل فيها الأسلاك المعدنية لتستمر معه هذه المتعة في العمل حتى المرحلة الإعدادية، وكما قال الفنان "عفيف آغا" في حديثه لمدوّنة وطن فإن حصة الرسم كانت بمنزلة تأسيس فعلي منتظر عنده كل أسبوع في المدرسة ليجسد فيها أفكاره وأحلامه بالإضافة إلى حبه الرسم بالألوان ما دفعه بعد مدة الى إقامة أول معرضين تشكيليين الأول عام 1986 في المركز الثقافي بمدينة "اللاذقية"، والثاني في جامعة "تشرين" عام 1989 ليقدم فيها لوحاته كبداية فنية حقيقية له، كان يجمع على شط البحر الحصى الملونة والبيضاء مكوناً منها أعماله، هذا النشاط شبه اليومي شجعه على تحضير أولى البدايات لمعرض نحتي صغير بمقاس الأعمال من 5ميلمتر إلى 10 سنتمترات وحمل عنوان "النحت الحجري الصغير" بالمركز الثقافي في "دمشق" عام 1991 وما زالت النشاطات والمعارض النحتية مستمرة حتى الآن.

ويضيف "عفيف": إن من أهم المشروعات الفنية التي عملت عليها كان إنجاز منحوتات صغيرة الحجم لا ترى تفاصيلها إلا عبر المكبرات للتدقيق في جمالية التفاصيل، وهذا من أوائل ما فكرت به وعرضته ضمن مجموعة من الأعمال المتفردة، والتي ضمت أكثر من مئة عمل ثم تتالت المرحلة التالية من الأعمال المكتبية بمقاس تراوح من عشرين إلى مئة سنتمتر.

منحوتة من حجر

تبدأ خطوات إنجاز العمل عملياً بالدخول إلى المادة من حجر وخشب وتفريغها من الداخل، ثم الالتفاف إلى الخارج لتشكيل المنحوتة، وتالياً ترجم ذلك من خلال الصراع والانسجام بين المادة والروحانيات ومنها عبر الحركة والفراغ، في "سورية" كان تفريغ العمل من الداخل قليلاً جداً، وهذا ما دفعني لإقامة معرض بعنوان "الحركة والفراغ" عام 1993 في "دمشق"، وأعمل على تطوير المادة في كل جزء من أجزاء المنحوتة التي تعكس بالأساس تأثيرات المجتمع والطبيعة في الذات البشرية.

امتلك الفنان متحفه الخاص وأسسه عام 2014 بعنوان صالة الكوارتز في اللاذقية، وهو يضم مجموعات من المنحوتات المختلفة منها القديم والجديد، كما شارك في معارض فردية كثيرة في كل من "اللاذقية" و"دمشق"، وخارجياً شارك في معرض في "لبنان" بعنوان بوح الحلم عام 2016، وفي معرض كييف "الفينيق السوري" عام 2019 كما شارك في العديد من المعارض الجماعية في المراكز الثقافية العربية منها والأجنبية وصالات خاصة داخل "سورية" وخارجها"، وله أيضاً مشاركات في ملتقيات النحت على الرمل والخشب والحجر، ويقول: إنه يحضّر بالوقت الحالي لمعرض فردي جديد بأسلوب وأفكار مستوحاة من علاقة الإنسان مع الطبيعة، واستمرار فكرة الصراع بين المادة والروح من خلال إظهار مكنونات الداخل وتشابه النسغ والبراعم ودورة الطبيعة وما يقابلها على الإنسان.

العلاقة بين الشكل والفراغ في تصاميمه

معظم أعماله تعتمد على الواقعية المبسطة التي غالباً ما يغيب فيها الشكل لمصلحة التعبير كما أشار الفنان النحات "غازي عانا" ويضيف: غالباً ما حاول الفنان أن يسرد حكايته الفنية على طريقته وبلغته دون أن تفقد المادة خاصيتها حاملة حرارة مشاعر الفنان في تلك اللحظات من الحوار وهو بالفعل حوار مضنٍ لنهاية مختلفة من حيث نهوض الكتلة تدريجياً باتجاه حالة راقية من الحضور مع ما يتخللها وما يحيطها من فراغ حميم. وقال: إنه يرسم بالضوء حدود الكتلة والتي غالباً هي خلق لحالة جمالية مختلفة تحفز البصرية، وهذا ما يجعل أعمال "عفيف آغا" حسب تعبيره تنهض بحيوية وحرية مطلقة باتجاه آفاق أكثر رغبة بالصمت رغم الضجيج الذي تثيره في مخيلة المتلقي لكثير من الحوار الذي يبدأ ولا ينتهي.

في بداية التسعينيات وبعد عودته من دراسته العليا في موسكو، سعى الدكتور "نزار الصابور" أستاذ في كلية الفنون الجميلة بجامعة "دمشق" إلى اللقاء مع فنانين عدة من مدينة "اللاذقية" وبالرغم من معرفته بمعظمهم فقد كان لقاؤه الأول مع النحات "عفيف آغا"، ورأى أن أعماله النحتية تظهر (الفطرة) بمعناها العميق، و"عفيف" الفنان لم يدرس الفنون في كليات مختصة لكن كانت أعماله تحمل طابعاً متميزاً عندما بدأت مهاراته تظهر باختيار الأحجار المختلفة باللون والشفافية واحتمالاته التشكيلية بحلولها البصرية ومعرفته بأعمال زملائه النحاتين، وكل هذا جعل عمله الفني متفرداً وسط النحت السوري.

أجريت اللقاءات بتاريخ 26 نيسان 2021.