استخدمت الفنانة التشكيلية "لينا ديب" فن الغرافيك كأساس لها؛ لكونه أحد المقومات الأساسية المهمة في الفنون التشكيلية، وواصلت جهودها على إغناء ذائقتها الفنية بالعلم والاطلاع على الثقافات ككل، ضمن إطار نشاطاتها الفنية الواسعة، بهدف عرض وتعريف هذا الفن بكل تفاصيله وجمالياته.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنانة "لينا ديب"، بتاريخ 7 حزيران 2019، لتطلعنا عن بداياتها في الفن التشكيلي وعملها به بعد دراساتها الأكاديمية بالقول: «البداية كانت في مرحلة الصغر، وكحالة اعتيادية امتلكت الحافز الداخلي التلقائي للخلق الإبداعي، لأنه إذا لم تصقل الموهبة منذ البداية ستضمحل مع الوقت، وكان والدي الراحل المحامي "حبيب ديب" يقوم بتوجيهي للاهتمام بالموسيقا والرسم، لأنه تلقى علومه الأولى في مدرسة "اللاييك" الفرنسية آنذاك؛ وهو ما جعله أيضاً يقوي الحافز الموجود أصلاً عندي ليشجعني على ممارسة هوايتي التي أحب. ومع الوقت نصحني أن أتابع دراسة الفن أكاديمياً، فدرّبني على يدي الفنان الراحل "أحمد دراق السباعي"، الذي كان له تأثير كبير، خاصة في توجيهي وبلورة اهتماماتي الفنية وصقلها، كما تعلمت من والدتي المربية الفاضلة "أميرة ديب" المثابرة ومواصلة العمل والإصرار الدائم على النجاح. بعد انتهاء دراستي الجامعية، بدأت ممارسة الفن عملياً من أوسع أبوابه، واتجهت نحو التدريس في كلية العمارة، وكلية الفنون الجميلة بجامعة "تشرين"، وأدرس أيضاً في الفنون بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، وبالمقابل أتابع عملي في الرسم والحفر (الغرافيك)، إضافة إلى العمل في مجال الديكور والتصميم الداخلي من دراسات وتنفيذ، مثل: السينما، والمسرح، وقاعات اجتماعات، ومكاتب، وديكورات المنزل. ويعدّ فن الرسم والغرافيك عندي مشتركاً مع فن الديكور في تزيين الحياة والتعبير عنها، فالرسام هنا بريشته يعطي نظرة إلى الأشياء بلوحات معبرة عن ثقافته الفنية وواقعه الاجتماعي والثقافي، وفن الديكور يعبّر عن الذوق ويعكس ثقافة البيئة، واللوحة يجب أن تحقق توازناً في الخطوط والألوان، والديكور يجب أن يحقق انسجاماً في المساحات والألوان، لأن اللوحة تبقى ذات بعدين، وتختلف عن الديكور بمفهوم ثلاثي الأبعاد».

تعمل الفنانة "لينا ديب" على تطوير أفكارها وأدواتها بدافع من هاجس الارتقاء بعملها الفني، فهي محترفة أكاديمية، والمجتهدة المتجددة. تعرّفتها قبل سنوات عند تأملي لأعمالها، وأثارتني ثقافة لوحتها وهاجس البحث والتجريب الذي يقود تفكيرها في العمل، "لينا" إنسانة دؤوبة البحث، وهي تنضج أعمالها على نار هادئة، وقد طورت لوحتها بأسلوب لافت، وتعمل على تكثيف التكوين الوجداني والعمق الغرافيكي لعملها باستمرار. ببساطة هي فنانة ثلاثية الأبعاد، ودائمة التميز والتطور

الهوية السورية لها بصمة واضحة في مجمل أعمال الفنانة "لينا"، وهنا تابعت عن تجسيدها الواضح لهذا الأساس المنقول بإحساسها وخبرتها، إضافة إلى الأبحاث التي قدمتها في هذا المجال قائلة: «تجربتي الفنية تجلّت في محاولتي لنقل الحقائق مجردة، ونقل أحاسيسي معها لأبسط تشكيلاتي الفنية، التي أسعى بواسطتها لمعالجة القيم الفنية المعاصرة والإخلاص في التعبير، أجمع فيها ذكريات الطفولة مع مرحلة الدراسة والشباب التي كانت مفعمة بالرزانة والخبرة، وأدخل كل هذه الخلاصات في مجمل أعمالي التي أتناول فيها مواضيع منتقاة من الحضارات والبيوت الدمشقية العتيقة، إلى المواضيع الاجتماعية، مثل مواضيع تتعلق بمعاناة المرأة وأمهات الشهداء. أسلوبي ألخصه من خلال تجاربي واحتكاكي مع الناس لإيصال التأثير الفني إلى عمق المجتمع من خلال استخدامي تقنية الغرافيك بكل أنواعه من الحفر على الخشب والمعدن والليتوغراف، إضافة إلى المزج بين الحفر والتصوير، وهذا ما يميز بصمتي فنياً. صراحة أرى أن الفن ينير مصادر الفرح في الوقت الذي نجد فيه أن مشكلات الحياة والبيئة تطغى على المجتمع، وهذا ما جعل الفن يهيمن على كياني.

التحضير لإحدى لوحاتها الفنية التشكيلية

مجالي العملي في النهاية لم يمنعني من الاستمرار في البحث والإنتاج الفني، حيث تابعت دراستي وحصلت على الماجستير في تخصصي بالفنون الجميلة، واستهوتني متعة البحث عندما بدأت الكتابة في النقد الفني، فنشرت لي عدة منشورات في مجلة "جامعة دمشق"، ومجلة "المعرفة" السورية، ومجلة "الحياة التشكيلية"».

أما بالنسبة للتكريمات والجوائز التي حصلت عليها خلال مسيرتها الطويلة بالفن التشكيلي، فأضافت: «أقمت عدة معارض فنية مختلفة، وورشات عمل متعددة داخل وخارج "سورية"، فشاركت في بالملتقيات الفنية في العديد من البلدان، مثل: "لبنان"، و"الأردن"، و"تركيا"، و"فنزويلا"، وآخر مشاركاتي في معرض "بينالي فينيسيا" الدولي عام 2017 بمشاركة 57 دولة عالمية، ولي أيضاً أعمال منتقاة في "فرنسا" و"ألمانيا" و"أميركا"، كما نلت الجائزة الأولى في فن الغرافيك في معرض الشباب على مستوى القطر عام 2005، وتم تكريمي من قبل وزير الثقافة في احتفالية بمناسبة مرور 60 عاماً على تأسيس الثقافة السورية».

من لوحاتها المرسومة بالألوان الترابية

"علي مقوص" الرسام التشكيلي، وخريج كلية الفنون الجميلة، تحدث عن رأيه بأعمال الفنانة "لينا" قائلاً: «تعمل الفنانة "لينا ديب" على تطوير أفكارها وأدواتها بدافع من هاجس الارتقاء بعملها الفني، فهي محترفة أكاديمية، والمجتهدة المتجددة. تعرّفتها قبل سنوات عند تأملي لأعمالها، وأثارتني ثقافة لوحتها وهاجس البحث والتجريب الذي يقود تفكيرها في العمل، "لينا" إنسانة دؤوبة البحث، وهي تنضج أعمالها على نار هادئة، وقد طورت لوحتها بأسلوب لافت، وتعمل على تكثيف التكوين الوجداني والعمق الغرافيكي لعملها باستمرار. ببساطة هي فنانة ثلاثية الأبعاد، ودائمة التميز والتطور».

"محمد بعجانو" الفنان التشكيلي وزميل الفنانة "لينا" في كلية الفنون الجميلة عبّر عن رأيه بفنّها قائلاً: «التقيتها أول مرة في كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق"، وهي من سيدات الفن الراقي اللواتي تعرّفت إليهن. اختصاصها غرافيك، وما زالت متابعة لهذا الفن بذات الاهتمام والإتقان الذي اعتدناه، لوحاتها إجمالاً تحوي رموزاً لها علاقة بالحضارات القديمة والحكايات المرسومة بتقنية عالية، أعمالها فيها ابداع رائع في كل مربع تكوّنه بريشتها، ويحكي كل تفصيل بداخله؛ وهو ما يعني أنها ما زالت في طور البحث عن الجمال النادر في الفن. "لينا" إنسانة طموحة مجدّة، وما زالت موجودة وحاضرة في كل الفعاليات التشكيلية».

الحسّ الغرافيكي في لوحاتها

من الجدير بالذكر، أن الفنانة التشكيلية "لينا ديب" من مواليد محافظة "طرطوس"، متزوجة ومقيمة في "اللاذقية"، وهي عضو بالمكتب التنفيذي لاتحاد الفنانين التشكيليين السوريين.