الحسّ الفني لـ"مضر ناعسة" ظهر بتشكيل مجسمات ثلاثية الأبعاد مما توفره الطبيعة، وصقل مهاراته الإبداعية ليطور فن طيّ الورق، فابتكر وجدد تصاميم من عدة أنواع مختلفة، ليكتشف بعد أن ضاهى المخضرمين بهذا المجال أن هناك فناً عريقاً يدعى "الأوريغامي".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 16 تشرين الثاني 2017، مع الفنان المهندس "مضر ناعسة"، الذي عشق فن تشكيل المجسمات الثلاثية الأبعاد من مواد مختلفة، كأعواد القصب والخشب، ثم أبدع بفن "الأوريغامي"، وكتعريف لهذا الفن قال: «هي كلمة يابانية تعني ثني الورق؛ وهو فن رياضي هندسي يتطلب مهارة ودقة كبيرة وصبراً، وفي "اليابان" تدرسه المدارس بسبب الفوائد الكثيرة له، مثل: التفكير المنطقي، والصبر، وتنمية المهارات الهندسية والتصميم، وصقل الشخصية، وفوائد تربوية جمة. عندما كنت بعمر 12 عاماً عشقت المجسمات ثلاثية الأبعاد، حيث كنت أقضي ساعات طويلة أصنع سفناً شراعية وغيرها من أعواد القصب والخشب، كما أنني عملت بمعجونة السيراميك مدة من الزمن، وكنت أمسك أي ورقة تقع تحت ناظري، وأثنيها بشكل هندسي حتى أحصل على شكل جميل أو مقبول. كنت أواظب على الممارسة وصناعة الكثير من النماذج على الرغم من تعليقات بعضهم أن العمل مرهق للنظر، ويشغلني عن حاجات أساسية في حياتي. لم أعلم بوجود فن "الأوريغامي" حتى انتشرت شبكة الإنترنت، ففتحت أمامي أبواباً كثيرة للتعلم والابتكار، حيث خرجت عن إطار الهواية ليصبح عملي المفضل الذي أحب أن أمارسه يومياً».

من الواضح حب المهندس "مضر ناعسة" لهذا الفن، وقدرته على التجديد والابتكار، فقد استطاع أن يدمج عدة أنواع بعضها مع بعض، كما أنه أضاف إلى بعض التصاميم، وصمّم أشكالاً خاصة به، وضاهى المخضرمين بهذا المجال عالمياً

وعن التصاميم التي ابتكرها وكيفية العمل، أضاف: «عملت الكثير من التصاميم الخاصة بي، وقمت بالتعديل على بعض التصاميم المشهورة على مستوى العالم والمسجلة بأسماء مخضرمين بهذا المجال، وصنعت أكثر من 600 نموذج مختلف، والكثير منها من تصميمي، وخاصة الثلاثية الأبعاد، وهو يتألف من وحدة بناء مكررة تتشابه مع لعبة المكعبات، وأحياناً تتطلب صناعة نموذج من هذا النوع أكثر من 2500 قطعة. وهناك النوع الثاني المركب، ويتألف من عدة أجزاء نقوم بجمعها بطريقة التعشيق، والشكل الناتج عنها كروي. أما النوع الثالث وهو الأصعب من الناحية الفكرية، فيدعى (أوريغامي الورقة الواحدة المسطح)، حيث نقوم بثني الورقة ربما مئات أو آلاف المرات، ثم مرحلة التشكيل، وينتج عنها أشكال غاية في الجمال.

صنعه في الصف العاشر من مخلفات الطبيعة

أما النوع الرابع، فيدعى (أوريغامي الورقة الواحدة الثلاثي الأبعاد)، وهو يشبه النوع السابق، لكن الناتج شكل ثلاثي الأبعاد. والنوع الخامس يدعى (الأوريغامي المتحرك)، حيث يمكن تغيير شكله بحركة معينة، وهو يشبه السحر. النوع الذي أحببته كثيراً هو نوع الورقة الواحدة؛ لأنه الأصعب والأكثر إبداعاً، كما أنني قمت بدمج بعض الأنواع بعضها ببعض، مثل الثلاثي الأبعاد والورقة الواحدة، ونتج عنها لوحات فنية، ونسمي من يعمل بهذا الفن مبدعاً عندما يقوم بصنع نماذج جديدة لم يسبقه أحد بصنعها، ويطلقون عليه بالإنكليزية "origamest"».

وعن الصعوبات التي يواجهها من يستهويه هذا الفن، قال: «من يمتلك هذا الفن لا بد أن يحمل روح التحدي والإصرار، ويكون صبوراً، فهذا الفن غير مكلف مثل باقي الفنون، حيث يمكن الاستعاضة عن الورق الملون الموجود في المكتبات والغالي نوعاً ما بورق مستعمل أو مهمل، لكن المكلف أكثر هو الوقت الذي أقضيه، والذي يتجاوز العشر ساعات لتصنيع شكل ما، وخاصة النماذج الجديدة. وهو يتطلب دقة في العمل ومقدرة على التخيل والتفكير المنطقي، ولا بد أن يتوفر الجو الملائم، فعندما أكون وحدي أو مع شخص يشجعني ويراقب خطوات العمل، يكون النموذج أجمل وأكثر دقة».

أوريغامي جديد صنعه بطريقة 3d وطريقة الورقة الواحدة

وعن تجربته بتعليم هذا الفن للآخرين، قال: «يمكن تعليم بعض النماذج البسيطة، أما النماذج المعقدة، فهذا مستحيل، إذا لم يكن المتعلم لديه حب كبير وشغف ودقة في الثني وخيال خصب في ثلاثي الأبعاد، فالأغلبية الساحقة لم تتعلم إلا الأشياء البسيطة، وعلى سبيل المثال يستغرق معي ثنى ورقة واحدة أكثر من عشر ساعات وآلاف الثنيات من دون استخدام المقص أو اللاصق، وأي خطأ غير مسموح. هذا الفن بجانبه الأكبر للكبار وذوي المهارات، ولتعليم الطفل يجب أن نبدأ بعمر مبكر، فالورق نظيف ويحمل طاقة إيجابية لتنمية مهارات الطفل الذهنية والنفسية، ويساعد على تنمية التفكير المنطقي وربط الأشياء بعضها ببعض، كما أنه ينمي الخيال والدقة وروح الجماعة.

فهذا الفن دخل في صناعة مجسمات الأبنية وتصميم الأزياء والعديد من التطبيقات الهندسية، مثل طي المظلات، وبوالين الوقاية في السيارة، إضافة إلى تزيين البيوت».

أوريغامي من النوع المتحرك، حيث يغير شكله بإخضاعه لحركات بسيطة

مديرة برنامج مهارات الحياة في المركز الثقافي بـ"اللاذقية" "آمال طوبال علي" قالت رأيها بالفنان "ناعسة" الذي درب الأطفال على فن طي الورق في أكثر من فعالية أشرفت عليها: «شارك "مضر" بعدد من الفعاليات التي تهدف إلى تعليم الأطفال، وذلك لتخفيف معاناتهم جراء الحرب التي تعصف بالبلد، ولأهمية انتشار هذا الفن وخاصة بعمر مبكر، حيث يساعد على تنمية الصفات الإيجابية التي ستطغى على شخصية الطفل في المستقبل، ويعزز روح الجماعة بين الأطفال وتبادل الأفكار وتعليمهم على تتبع الخطوات والابتكار، فهو يصقل الشخصية وينمي القدرات الإبداعية والفكرية والخيال.

الصفات التي يتحلى بها من هدوء أثناء إعطاء المعلومة والقدرة على إيصالها بالوقت المناسب والطريقة المناسبة، وينتقل معهم خطوة خطوة من البسيط إلى المعقد بما يتناسب مع عمرهم سهّل عملية التعليم، وخاصة أن الطفل في هذه المرحلة نتيجة الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا أصبح من الصعوبة تعليمه مهارات يدوية تعتمد الفكر والفن معاً، لأنه اعتاد أن يكون متلقياً سلبياً».

الهاوية في فن طي الورق "هناء العكش"، التي دربت عدداً كبيراً من الأطفال على فن طي الورق، والمطلعة على أعمال "ناعسة"، قالت: «من الواضح حب المهندس "مضر ناعسة" لهذا الفن، وقدرته على التجديد والابتكار، فقد استطاع أن يدمج عدة أنواع بعضها مع بعض، كما أنه أضاف إلى بعض التصاميم، وصمّم أشكالاً خاصة به، وضاهى المخضرمين بهذا المجال عالمياً».

يذكر أن "مضر ناعسة" خريج هندسة ميكانيك، اختصاص قوى، وحاصل على دبلوم طاقة شمسية من جامعة "تشرين"، وهو من مواليد "بسنادا" عام 1976.