على الرغم من انشغاله لسنوات طويلة في عالم الأعمال، محققاً حضوراً سورياً مميزاً فيه، لم ينسَ أبداً أن رسوماته الأولى أيام الابتدائية بقيت في ذاكرته تدعوه للعودة إلى عالم التشكيل.

بين معرضه الأول عام 2014 وجائزة التفوق الفني في معرض "شباب طرطوس" مطلع السبعينيات أكثر من ثلاثين عاماً أمضاها المهندس المعماري "عصام اليوسف" -مواليد 1958- باحثاً عن حضور لوحة فنية مفارقة في عالم التشكيل الذي أسس له برسوخ في عالم الهندسة المعمارية؛ التي "هي العلامة الفارقة الباقية في كل أثر حضاري"؛ كما يقول في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 حزيران 2015.

خلفيات ذات مساحات لونية كبيرة تشبه مساحات البحر وتنقله بين الخطوط اللونية المستقيمة "الذكورية" والمنحنية "النسوية"، ووجوه تطغى عليها الحالات التعبيرية الحالمة من دون عيون واضحة أيضاً خلقت كلها مع الألوان المتضادة فرجة بصرية هادئة للمتلقي

في سياق سيرته الفنية سجل الفنان حضوره الأكاديمي في عالم الهندسة المعمارية عبر عشرات المشاريع المعمارية محققاً دمج البصري مع المكان برؤية معمارية تستحضر الذاكرة الحضارية السورية دوماً، حل الرجل في المركز الرابع على دفعته في قسم الهندسة المعمارية بجامعة "دمشق" مطلع الثمانينيات، وانتقل إلى عالم المشاريع المعمارية فصمم العديد من المشاريع العمرانية المميزة في مختلف أنحاء "سورية".

من لوحات معرض دبي

يعترف الرجل أنه لم يستعجل العرض لأسباب يقول فيها: «لم أتوقف عن الحلم بالعرض، ولكن ضمن الشروط التي تلبي لي رغبتي بحضور مختلف لا يكرر المادة الفنية الحاضرة في العرض التشكيلي، حتى الآن ما زلت أبحث عن تلك القيمة التي تميزني عن غيري من الفنانين، فبهذا التميز أكون وفياً لتاريخ غيابي عن العرض، لم أتوقف يوماً عن الرسم وعن عناق اللون واللوحة، جاءتني عروض كثيرة للعرض ولكني بقيت مصمماً على شروطي السابقة».

معرضه الأول في غاليري "أوركسترا" عام 2013 قدم فيه عدداً من لوحاته الجديدة والقديمة متشبعاً بامتلاء الصورة الفنية، يقول: «قدمت في معرضي الأول بعد غياب صورة لعالم المرأة السورية في حضورها التاريخي والإنساني مبنياً على تداخل رمزي مع رموز سريانية سورية معروفة، البحر وأوغاريت والسمكة وغيرها على امتداد مساحات متفارقة اللون، استلهامي الأكبر كان من تلك العوالم التي تعاملت معها في بحثي عن هويتي السورية في الفن، وقد كان المعرض ذاك مقدمة لما سيكون عليه شغلي التالي».

اخر اعماله

يرسم الفنان من دون تصور مسبق للوحة، على خلاف الحالة المعمارية، يقول: «أرسم أحياناً لوحتين أو ثلاث في نفس الوقت، الفكرة التي تطغى علي وقت الرسم لا تترك لي مجالاً للبقاء في فضاء لوحة واحدة، في نفس الوقت الذي تحتل فيه اللوحة حدها لا تتداخل مع الثانية، الخطوط الأولية تسرقني إليها من دون رقابة أمارسها عند استغراقي في العمل».

شارك الفنان في عدة معارض جماعية تالية، أما مشاركته الأخيرة فقد كانت في معرض افتتاح صالة "لمياتوس" في "دبي" قبل أسابيع، حيث حضرت ألوان "اليوسف" في المعرض بزهوها وتنوعها وموضوعها التشكيلي، في جدلية الموضوع يحضر الهندسي متلبساً قناع اللوحة وخطوطها، يقول الفنان: «لا شك أن التقنية المعمارية تحضر ولو بشكل غير واعٍ في اللوحة، فالخطوط القاسية التي هي منظور هندسي مكاني وزماني فاصل تقدم لغة بصرية تمزج بين الحدية والقطع وبين التواصل اللوني للمشهدية البصرية بوضوح، مساحات الألوان المتربعة في اللوحة ليست مجرد فراغ مملوء لونياً بقدر ماهي دعوة إلى تلقي الموضوع برؤية تتكامل فيها عناصر اللوحة محققةً للمتلقي ذاك الزهو والحضور والعقل الهادئ في رحلة التلقي».

مع انور الرحبي

لا يتوقف الفنان عند موضوع تشكيلي واحد ليعمل عليه طوال رحلته، فكأي مشروع هندسي هناك بداية ونهاية، من هنا فقد انطلق في مشروعه الجديد "مدن" ليقدم صورة للتاريخ والحاضر في تمازج اللون والرمز، يقول: «المدن تجربتي التي أنطلق منها إلى هدف جديد يتمثل في تقديم تلك العلاقة الإنسانية التي ربطتني بالمدن التي زرتها وتلك التي تركت في ذاكرتي بصمتها عبر العالم، "دمشق" التي لا تنام صيفاً، و"روما" بتماثيلها الغارقة في التجريد والحضور، "باريس" التي لا يمكن الفكاك من أسر فنونها، وعبر تقديم صورة للمدينة مع أبوابها المفتوحة دوماً للتأثيرات المعرفية والحضارية حضرت المدن السورية بكامل مخزونها من الفرح والألم والحب والمرأة، وللأخيرة جذورها المترسخة في بحثي عن هويتي فهي تمثل جزءاً لا يتجزأ من هذه الهوية الحضارية».

الفنان السوري "أنور الرحبي" قال: إن الفنان "يوسف" استطاع أن يتواصل مع المشهد التشكيلي على أنه لغة تشكيلية تحمل الكثير من المعطيات منها التكوينات الجمالية للرموز التي حملتها لوحاته، والأمر الثاني أنه "يمتلك صيغة عمل فيها الكثير من العافية الفنية وفيها قوام لعمل تشكيلي قادم يبرزه استعمال الصيغ في اللوحات من خلال التضاد اللوني القوي".

وبحضوره في عوالم اللون يختار التشكيلي "يوسف" ملامح مشروعه من انتماء محلي حقق نقلة نوعية في مساره الفني؛ حيث اعتمد كما يقول الفنان التشكيلي "بولس سركو" على «خلفيات ذات مساحات لونية كبيرة تشبه مساحات البحر وتنقله بين الخطوط اللونية المستقيمة "الذكورية" والمنحنية "النسوية"، ووجوه تطغى عليها الحالات التعبيرية الحالمة من دون عيون واضحة أيضاً خلقت كلها مع الألوان المتضادة فرجة بصرية هادئة للمتلقي».

يجهز الفنان حالياً لوحاته للعرض في معرض فردي في "دبي" الخريف أو الشتاء القادم مكملاً تجربة "المدن"، وقد أنجز عدداً من لوحاته بانتظار الافتتاح.