بعثر طفولته بحب على امتداد الأرض السورية، الرسام أولاً والنحات أولاً، يذهب في علاقته بالإبداع حدود اليقين أنه جزء من روحه التي تغتني برحابة ميراث أرض هذه البلاد.

في حوارنا معه، حضرت دماثته كشاهد حي على علاقته الطيبة بالعالم والأشياء دون الغرق في ترف الاصطناع الفني، فالرجل بروحه الغنية، يحضر كفنان يبحت عن الاكتمال بين أصابعه وفي ريشته، النحات والرسام السوري "أكسم السلوم" في حوار مع مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 10 تشرين الثاني 2014 أفاض وأفضنا في البحث عن صورته المخبأة في جذوع منحوتاته ولوحاته، فكان هذا الحوار.

لم أبدأ النحت أولاً، من بداية طفولتي أولعت بالرسم، حتى المرحلة الإعدادية حيث بدأت بالنحت بشكل خجول، ثم تابعت مع بداية المرحلة الثانوية وحتى الآن، العشق المبكر للنحت والرسم مرتبط بالموهبة، وخاصة عندما يجد البيئة الملائمة التي تحتضنه وتشجعه على الاستمرار، للأهل الفضل الأول عليّ، ولبعض أصدقائهم، ومدرس مادة الفنون في المدرسة الابتدائية الأستاذ "وليد الشاهر" في "دير الزور" حيث كانت طفولتي، والأستاذ "محمد الجاهل" من حمص، أتذكرهما وأتوجه بالتحية لهما، لقد كان لهما تأثير رائع لزيادة هذا الشغف بالفن

توقعتُ أن تكون بدايته الفنية في عالم النحت، صحّح لي قائلاً: «لم أبدأ النحت أولاً، من بداية طفولتي أولعت بالرسم، حتى المرحلة الإعدادية حيث بدأت بالنحت بشكل خجول، ثم تابعت مع بداية المرحلة الثانوية وحتى الآن، العشق المبكر للنحت والرسم مرتبط بالموهبة، وخاصة عندما يجد البيئة الملائمة التي تحتضنه وتشجعه على الاستمرار، للأهل الفضل الأول عليّ، ولبعض أصدقائهم، ومدرس مادة الفنون في المدرسة الابتدائية الأستاذ "وليد الشاهر" في "دير الزور" حيث كانت طفولتي، والأستاذ "محمد الجاهل" من حمص، أتذكرهما وأتوجه بالتحية لهما، لقد كان لهما تأثير رائع لزيادة هذا الشغف بالفن».

فتاة البحر وعليها طيرين حقيقيين

ساهمت هذه البداية "الطبيعية" في تشكيل علاقة متوازنة لاحقاً بين نوعين من الفنون يبتعدان في المفاصل التقنية، الرسم والنحت، على أن هذه الجدلية ترتقي لتصبح علاقة أبدية في تجربته، يقول: "لا أستطيع أن أفهم كوني نحاتاً (ماهراً) إن لم أكن رساماً (ماهراً)، الرسم هو حجر الأساس بالنسبة لمشروع أي نحات، كي تكون نحاتاً جيداً يجب أن تكون رساماً ماهراً، والعكس ليس صحيحاً".

هذه "الخيانة الجميلة" أورثت الفنان عالمين متوازيين، الرسم والنحت وكلاهما يأتي من قلب العفوية، فالبحث عن "المنحوتة" في "الكتلة" يبدأ دون قرار مسبق، فالعشق وحالة الحوار الدائم مع الفكرة أكانت كتلةً أو لوحة "يؤدي إلى التآلف والمحبة، تعطيك وتأخذ منك، تسايرها وتغازلك كالأنثى هي التي تدعوك إليها وتقدم لك أنوثتها حتى تهيم بها تماماً عندها تبشرك بمولود جديد وجميل يشبهك، وقد يكون متمرداً عليك فيعجبك أكثر، أنت تستسلم بحذر أو تتصنع الاستسلام، ولا ينقذك إلا مهارتك وخبرتك لتستعيد السيطرة، وتكون قد انتصرت عنما تعرف أين تتوقف".

من اعماله الخشبية

في علاقته الوثيقة بالخشب يبحث الفنان عن الخشب القاسي واليابس من مدة طويلة، خاصة المرتبطة بالبيوت القديمة، بيوت الفلاحين البسطاء والطيبين في القرى النائية والمنسية. يذهب الفنان إليها ليقود حواراً مع الطبيعة والناس النابتين فيها: «عندما أنحت قطعة خشب من بيت قديم، أتذكر حواري مع هؤلاء الفلاحين في بيوتهم القديمة تلك، وأستعيد تفاصيل حياة عاشوها، كان إحساسي دائماً أني أعيد بناء ذاكرتهم من جديد بإحياء هذه الخشبة المنسية، وإعادة الروح إليها بالنحت، رغم الغصة الكبيرة التي رأيتها في تهديم هذه البيوت الرائعة والحنونة، واستبدالها ببيوت إسمنتية باردة وغريبة عن بيئتهم، لقد كان ممكناً ترميمها والمحافظة عليها حتى لو لم تسكن".

تخلق هذه العلاقة مع النحت حميمية خاصة، فلكل خامة خصوصيتها، يقول: "الخشب يختلف عن الحجر بقوامه وأليافه ومرونته وقساوته، ولكل نوع من الخشب خصوصيته وأدواته الخاصة، ينطبق الكلام على الحجر أيضاً، ولكن الحساسية الفنية لا تختلف في كليهما، لأن الحساسية هي بصمة النحات، بينما تختلف الحساسية البصرية، وهذا له علاقة بلون الخشب أو الحجر".

من لوحاته.

معظم أعمال الفنان قريبة من التعبيرية، وأحياناً تجريدية، ولكنه "يرغب بنحت شكل واقعي"، فالعمل الفني أياً كان توصيفه النقدي مهمته كما يقول "تنبيه المتلقي لإيقاظ أحاسيسه، وحواسه جميعها، قد لا يؤثر فيه العمل الفني مباشرة، ولكن يخلق لديه أحاسيس قد لا يعرف تفسيراً لها، ولكن قطعاً يزرع فيه الجمال والرضا الداخلي ويؤثر به بشكل إيجابي ويخلق لديه قلق ما، أنا كنحات لا أستطيع التعبير عنه بالكلام، وظيفة العمل الفني ليست بالضرورة لإسعاد المتلقي، بل لخلق القلق لديه دائماً ووضعه في حالة تساؤل جميل".

بناء على هذه الصورة فقد اشتغل الفنان "السلوم" لإقامة ملتقيات نحتية بدأها من العام 1997 من "دمشق"، تلاها ملتقيان في العامين التاليين، "الهدف دائماً من ملتقيات النحت تحرير العمل الفني من الصالة الصغيرة إلى الشارع، كي لا يكون حكراً على فئة قليلة من الناس تأتي إلى صالة العرض وبعض المثقفين والمهتمين، أما في الملتقيات، فالمنحوتة أو اللوحة التي خرجت ليراها معظم الناس العابرين، يمكنها خلق حالة وعي جماعي للعمل الفني وثقافة بصرية إجبارية إن صح التعبير، قد تخلق بذرة لدى طفل صغير ليكون مشروع نحات أو فنان محرضةً أحاسيسه، تعويد الناس في الشارع على قراءة الجمال الفني، قراءة العمل الفني وكيف تتم عملية إنتاجه، وكم يعاني النحات كي يقدم هذا العمل، أيضاً أهمية الملتقيات للشباب الفنانيين إعطاء فرصة للشباب للتعبير عن موهبتهم وتبادل الخبرات فيما بينهم والحوار البناء بشكل عفوي".

في عالم الرسم، يستمد الفنان ذخيرته البصرية من تنوع مشاهد طفولته بين الساحل وحمص والجزيرة السورية بشكل عفوي، ولليوم ما زالت لوحاته تتبع هذه الرحلات بكثافة بصرية، يرسم في أي وقت يراه مناسباً، "والرغبة موجودة دائما" للإبداع، هذه حياتي كلها فن، وأنا متفرغ تماماً للفن".

يثق الفنان بالسوريين وفنونهم، بعد تجوال طويل له على كثير من دول العالم ونيله عدة جواز لها سمعتها العالمية، يقول: "الإنتاج الفني السوري مميز دوماً، وأنا على تماس مع معظم الفنانين، حتى في الأماكن الساخنة، قد تكون بعض صالات العرض توقفت بسبب الظروف، ولكن هناك دائماً معارض ونشاطات وملتقيات قائمة ومستمرة".

كتب عنه الإعلامي "علي الراعي" يقول: "في شغله النحتي يعمل السلوم على تقنيات الانبساط والالتفاف، أو هذا التكور في المنحوتة، إذ تتسامق أجساد النساء باختزالاتها طوراً، ومرة يسعى إلى ما تشكله التفافة ما، فينتج دائرة، أو فتحة فراغية في داخل المنحوتة، وينوّع عليها بالوجوه، أو الرؤوس التي غالباً ما يكررها. ‏.. هذه الاستطالات، أو التكويرات التي تأتي لحركة ما لرفة جناحين، أو نتيجة تكوّن أنثوي، أو احتضان، الأمر الذي يعطي للعمل النحتي اللمسة الإنسانية التي كانت هاجس الفنان في شغله التشكيلي".

الفنان "السلوم" من مواليد "اللاذقية" 1967 خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق 1992 وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين، أشرف على عدة ملتقيات محلية وعربية للنحت والفنون، أعماله النحتية شاهدها الكثيرون كتمثال "زنوبيا" في حديقة "تشرين" بدمشق، و"فتاة البحر" في بحر "اللاذقية" وهي معروفة هنا كعلامة مميزة، وغيرها الكثير، وأخر أعماله تمثال للسيدة "فيروز" سوف يفتتح بعيد ميلادها القادم في "بيروت".