اشتهرت "سورية" قديماً و"اللاذقية" خصوصاً بفن الخزف، وشكلت إعادة إحياء هذا الفن الجزء الأكبر من تجربة الراحل "عماد لاذقاني" من خلال تطعيمها بالفنون التشكيلية الحديثة.

ولد الفنان الراحل "عماد لاذقاني" في مدينة "حماة" عام 1953، إلا أنه قضى شطر حياته الأكبر في "اللاذقية" التي عشقها وبقي فيها حتى وافته المنية في 23 تموز 2014 إثر حادث غامض، تقول السيرة الذاتية للفنان أنه حصل على إجازة في الفنون الجميلة من جامعة "دمشق" عام 1979، ثم الدكتوراه في فلسفة الفن والنقد الفني p.h.d من أكاديمية الفنون العليا من "بطرسبرغ" في "روسيا" (معهد ريبين) 1986، ليتفرغ بعدها للتدريس في جامعة "تشرين" كلية الهندسة المعمارية وفي قسم الخزف والزخرفة، معهد الفنون التطبيقية "حلب"، ويقيم خلال هذه المسيرة العديد من المعارض في مختلف المحافظات السورية.

الراحل كان أستاذاً لكثيرين من النحاتين في المدينة، لم يبخل يوماً بمعرفته لكل من طلبها وهذا ما أكسبه احتراماً وتقديراً من قبل الجميع، في أعماله ثقة كبيرة بالخزف، وثقة أكبر بقدرته على مطاوعة الطين لأصابعه وتلوينه باللون الذي يستحق، لقد كان رحيله خسارة كبرى لنا كفنانين وكأصدقاء

في حديث مع مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 11 أيلول 2014، يقول النحات "نزار علي بدر" إن الفنان الراحل "لاذقاني" اختص بتطعيم اللوحة التشكيلية بالخزف كأسلوب خاص به، ويضيف الفنان "بدر": «من جماليات عمل الفنان هذا التطعيم الجديد القديم على الفن السوري، في أعماله دقة في تناول الموضوع النحتي والتشكيلي واللوني معاً، من هنا كانت لأعماله ميزة التفوق على سواها من الأعمال المماثلة، خاصة أنه اشتغل على إعادة إحياء النحت بأحد أشكاله الفنية السورية التي تذكر دوماً بالمنجز الحضاري السوري القديم».

من أعماله الجدارية

يقول الفنان الراحل في حديث سابق له مع صحيفة "الوحدة" المحلية: "دخلتُ كلية الفنون الجميلة، مصمِّماً على التخصُّص في مجال التصوير، لكن عندما درستُ في الكلية المذكورة مادة النحت، وتعمقتُ فيها، وجدتُني أميل فنياً إلى التعامُل مع الكتلة، نظراً لِما رأيتُ فيها من قدرة على التعبير عن مشاعري وانفعالاتي وعواطفي، بصورة تفوق قدرة اللوحة، فتابعتُ ضمن هذا المجال الذي استطاع أن يحقِّق لي التوازُن ما بين حالتي النفسية وحالتي التعبيرية، أو ما بين عملي الإبداعي وداخلي".

استطاع الخزف أن يأخذ ألباب الفنان بشكل نهائي، وإذا كان هناك من يعتبر الخزف من الفنون السهلة، إلا أن للفنان رأياً مختلفاً في الموضوع، يقول الفنان في حديثه السابق: "الخزف في الحقيقة من السهل الممتنع، فهو من جهة ذو خامة ليِّنة طيِّعة سهلة التشكيل، لكن من جهة أخرى فإن الفنان الذي يعمل ضمن هذا المجال ينبغي أن يكون واسع الإلمام بعلوم معينة مثل الفيزياء والكيمياء والكهرباء، ذلك لأن العمل الخزفي يتطلب براعة عالية، ولا سيما فيما يتعلق بالحرارة اللازمة له، وكيفية تحديد ألوانه. فالتصوُّر اللوني عملية شاقة جداً، تحتاج إلى ممارسة وضبط ومعرفة بنسبة اللزوجة ونسبة الماء والجفاف أيضاً. وعلى هذا يمكن أن يخسر الفنان العمل الذي يقوم بتحضيره إذا لم يكن مدركاً الزمن المحدَّد لكل لون".

من أعماله الجدارية أيضاً

اشتغل الفنان الراحل على موضوعات كثيرة في الخزف والنحت، ولكن أكثر ما اشتغل عليه شكلاً تفرع إلى نوعين، أحدهما خزفي جداري، والآخر نحت الكتلة الفراغية المجسمة، ويرى الفنان أن لكل منهما خصوصيته المميزة التي يمكن من خلالها تقديم العمل الفني، في الموضوعات تفرد بتمثيل التقابل بين رمزية الإنسان والسمكة في عديد أعماله، وتناول الوجوه البشرية في مختلف حالاتها الإنسانية، كما استخدم رمزية الهلال لتقديم "دلالات متعلقة بالاحتضان والحنان والحب والدفء"، ويضيف الفنان موضحاً هذه الجدلية بقوله: "النحت الجداري يمثِّل كذلك كتلة، لكنها كتلة خجولة تلتصق بجدار ما. في حين أن الكتلة الفراغية التي تستهويني إلى حد كبير تستطيع بما فيها من إشكالات أن تُحقِّق ما بينها وبين الفنان علاقة جدلية، أو بالأحرى علاقة عاطفية، يُضاف إلى ذلك أنني أشعر لدى قيامي بالنحت الجداري بالمجابهة، وتفوُّقي بالقوة عليه، على خلاف الكتلة الفراغية التي أرى لدى قيامي بإبداعها أنها هي الأقوى".

في الشهادات الفنية المتعلقة بعمل الراحل، يقول النحات "كرم خضر": «الراحل كان أستاذاً لكثيرين من النحاتين في المدينة، لم يبخل يوماً بمعرفته لكل من طلبها وهذا ما أكسبه احتراماً وتقديراً من قبل الجميع، في أعماله ثقة كبيرة بالخزف، وثقة أكبر بقدرته على مطاوعة الطين لأصابعه وتلوينه باللون الذي يستحق، لقد كان رحيله خسارة كبرى لنا كفنانين وكأصدقاء».

لوحة أخرى للفنان الراحل

استمر الفنان يدافع عن الخزف واستعمالاته حتى رحيله، وكانت أواخر أعماله مستوحاة من وقائع الأزمة السورية؛ وهو عمل فني (من الخزف) عبارة عن كتلة تحوي مجموعة كبيرة من الأشخاص مترابطة مع بعضها بعضاً، ومتماسكة حول هذه الكتلة في "انعكاس لمجتمعنا السوري في تماسكه وقوته، ولدى الصعود إلى القسم العلوي في العمل نجد بعض الأشخاص في جلسة من العناق والحميمية التي تعبر عن الحب الكبير للوطن "سورية"؛ كما صرح بذلك قبل رحليه بفترة قصيرة.