يشتغل الفنان "كرم خضر" منذ سنوات على تكوين هوية بصرية خاصة به، فنراه يقدم منحوتات تعتمد العلاقات الإنسانية كمدخل يبني عليه خطوطه وفراغاته في جسد المنحوتة، لأنه يؤمن بأن داخل الفنان هو الذي يعبر عن فنه.

مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 15 تموز 2014، الفنان "خضر" لاكتشاف آفاق تجربته الفنية في النحت التي بدأها في سن مبكرة، فشغله هذا العالم عن بقية أشغال الحياة اليومية، وبقي على مخاضه هذا حتى كان معرضه الأول في "المتحف الوطني" عام 2010، ليليه الثاني في "ثقافي اللاذقية"، والثالث في "غاليري أوركسترا" العام الفائت، مقدماً في أعماله النحتية تجربة تستمد نكهتها ليس من خشب الزيتون الذي يستخدمه عادةً، بل من إعادة تشكيل العالم بصرياً عبر مشروع نحتي لجمع الخلق وإعادة التكوين، وأسئلة آدم الأولى في فراغات وكتل منحوتاته.

المفتاح لكل ما هو موجود على هذه المدورة، ففي كل شيء بعض أنثى، كما في كل شيء بعض ذكر، لذلك أحاول إيجاد الرابط بينهما فكلاهما متمم للآخر، وعموماً التقييد يقتل الفن، وهناك الكثير مما يمكن التعامل معه نحتياً، وكل موضوع يومي حتى يمكن أن يصبح منحوتة تلد حيزها البصري الخاص

ينتمي "كرم خضر" إلى المدرسة "الفطرية"، ويعتبر الأمر "مطلقاً"، ويقول: «قبل كل شيء ليس بمستطاع أي إنسان أن يحصر الفن في نطاق أو حيز أو جدل أو دراسة، وهذا ما أكدته اللقى الأثرية في مختلف الحضارات التي تعاقبت على هذه الأرض من فن آشوري وأكادي وفينيقي وأوغاريتي وفرعوني، الفن حرية، وبالمقابل على الفنان صقل موهبته بالتعلم أو القراءات الفنية المختلفة، ولكن قبل كل شيء يجب أن يكون ما في داخل الفنان يعبر عن فنه».

من أعماله الجديدة

ويتابع: «"الخامة"، هي تلك الروح التي تتنفس بشكل دائم، وقد يكون بصعوبة أحياناً، لذلك أحاول، قدر الإمكان، مساعدة الروح السجينة داخل تلك الخامة لفك أسرها وجعلها تتنفس بشكل مريح وطبيعي، وأما ما في الطبيعة فهو للطبيعة، لأن الطبيعة أعظم فنان، وإن أعظم ما في فن الطبيعة أن متلقيه ليسوا نخبة معينة وليسوا من مزاج واحد، لذلك تبقى الطبيعة أعظم وأجمل معلم».

لطالما أغرت العلاقة الإنسانية بين الذكر والأنثى النحاتين، كما الشعراء والمبدعين عموماً، على أن هذا الأمر ليس تقليداً "نحتياً"، بل هو كما يذهب النحات "خضر": «المفتاح لكل ما هو موجود على هذه المدورة، ففي كل شيء بعض أنثى، كما في كل شيء بعض ذكر، لذلك أحاول إيجاد الرابط بينهما فكلاهما متمم للآخر، وعموماً التقييد يقتل الفن، وهناك الكثير مما يمكن التعامل معه نحتياً، وكل موضوع يومي حتى يمكن أن يصبح منحوتة تلد حيزها البصري الخاص».

وجوه من معرضه القادم

ينحت "كرم خضر" مستخدماً خشب الزيتون وأنواع أخرى توفرها البيئة المحلية، مبتعداً عن الخامات الصلبة في هذه المرحلة من فنه، ويفسر ذلك بقوله: «قد يكون الرخام أطول عمراً من الخامات الأخرى، ولكني أجد نفسي في تقاسيم المساحات الخشبية التي تشكل روحاً متناغمة بكل ما فيها من روائح وحياة سابقة ولاحقة، وهذا ما يريح رؤيتي الجوانية، على الأقل في هذه المرحلة من عملي على الوجوه والعلاقات الإنسانية، وقد أعمل مستقبلاً على الرخام، لكن هذا عائد إلى ما ترشدني إليه يدي وروحي، ولكني الآن في حالة وجدانية رائعة مع الخشب».

في مسيرة المنحوتة ليس هناك تصور مسبق يلبسها قبل أن تبدأ عريها، فقد تكون هناك فكرة بسيطة تخلق من العدم أو من حالة معينة في المجتمع، ويصمم النحات على علاقة صراع مع المنحوتة، ويضيف: «لا أستطيع أن أقف عند تلك الحالة بتجرد يتجلى في كثير من الأحيان ضمن مجريات العمل، فلوهلة تشعر بأن تلك الكتلة التي تسقط ما في داخلك من هواجس عليها تحاورك بشكل مفاجئ، وتحاول إبداء رأيها بما يناسب الروح التي تسكنها، ويبدأ الحوار بيننا ولكن غالباً ما ينتهي بفرض رأيي عليها، منتصراً على تلك الروح كصديق لها أعاد إلباسها الثوب الذي يليق بما في روحها هي».

أيضاً وجوه سورية

الفنان التشكيلي "بولس سركو" يقول عنه: «"كرم" فنان متحمس ونشيط، طموح وحساس، يتعامل مع الخشب بعشق محولاً كتلته إلى مادة فنية تتداخل فيها الوجوه البشرية مع عناصر أخرى من المكان حسب مقتضيات حركة الكتلة الخشبية وانحناءاتها وتعرجاتها التي تفرض حضورها أيضاً على الوجوه ذاتها، فتمنحها تحويراً عفوياً يرفعها فوق حدود واقعيتها إلى مشهدية بصرية مختلفة أمام المتلقي».

أما الفنان التشكيلي "غيفارا إبراهيم" فرأى في منحوتات "كرم" علاقة تصاعدية ستنمو تدريجياً، ويضيف: «الكتلة الخشبية لها شكلها الذي يقوم الفنان بتعريته ليصل إلى الصورة التي يريد تقديمها، من هنا، فإن أعمال "كرم" خاصة في الوجوه التي يقدمها تنتمي إليه، يقدمها بروحه محاولاً الفكاك من أسرها، وينجح، وبالتأكيد هذه التجربة سوف تكون أنضج بعد وقت، ولكنها ستحمل بذور أصالة واضحة في موضوعاتها النحتية».