في طفولته المبكرة كان "قيس زريقة" مولعاً بالنشاطات الفنية (الرسم والموسيقا)، إلا أن مصادفة تعرف من خلالها على المسرح كانت السبب في اختياره للخشبة لتكون فضاءه المستقبلي.

يقول "زريقة": «في تلك اللحظة شعرت بأنني عثرت على فنٍ يجمع كل الفنون فانحزت له فوراً مدفوعاً أيضاً بحبي للعمل الجماعي».

في تلك اللحظة شعرت بأنني عثرت على فنٍ يجمع كل الفنون فانحزت له فوراً مدفوعاً أيضاً بحبي للعمل الجماعي

الانطلاقة الأولى كانت من "حمص" في العام 1984، حيث عمل ممثلاً مع المسرح الشبيبي آنذاك بضع سنوات قبل أن يعود إلى "اللاذقية" مسقط رأسه ويعمل مع الفرقة المسرحية في جامعة تشرين بإشراف الدكتور "محمد بصل" حينها، وعمل بعدها مع المخرجين "ياسر دريباتي، هاشم غزال"، ومن ثم مع المسرح القومي بإشراف "سليمان شريبة، وعبد الله شيخ خميس".

الفنان "قيس زريقة"

"اللاذقية" شهدت الولادة والظهور الحقيقي لـ"قيس"، حيث شارك فيها كممثل بالعديد من الأعمال المسرحية، ويقول "زريقة": «"المزبلة الفاضلة" كان أهم عمل شاركت به، ومن بعده "رياح الحريق" وهما من إخراج "هاشم غزال"، لقد قدماني بشكل مختلف عن كل العروض التي عملت بها سابقاً، وابتعدت فيهما عن مطب القولبة وتطورت كممثل بشكل كبير».

ويضيف "زريقة" في حديثه لمدونة وطن "eSyria" في 15 حزيران 2014: «من هنا بدأ تطور علاقتي بالمسرح وإدراكي لعوالمه، معتمداً على ورشات عمل مسرحية خضناها في المسرح الجامعي مع خبرات عربية مختلفة (تونس، العراق، المغرب، لبنان، الأردن، الجزائر، تركيا)، وتكللت الخبرة بالعمل مع المبدع الراحل "نضال سيجري" والفنان "جهاد سعد"».

مع فناني اللاذقية والراحل "نضال سيجري"

استفاد "زريقة" من محاولات دعم الحركة المسرحية بـ"اللاذقية" والمهرجانات التي أقيمت فيها وخصوصاً "مهرجان المونودراما، ويقول: «كانت تجربة ترفدني بخبرات مسرحية جديدة، فقد كان المسرح الجامعي الأكثر سعياً لتطوير المسرح بتطوير آلياته بدءاً من الممثل وحتى الفنيين فأصبح الملاذ الوحيد الذي يعطي الشباب مساحة كبيرة للتجربة والتطوير، وقد نهلت منه الكثير».

مع مروره بتجارب مختلفة بدأت تتشكل لديه رؤى خاصة به يشرح عنها بالقول: «بدأت أفكر كيف يجب أن أتعاطى مع المسرح بطريقة أخرى فاتجهت نحو الإخراج، وكانت أول تجربة لي كمخرج بالعرض المسرحي "سوناتا"، وبدأ التشجيع من الأصدقاء فكان العرض الثاني بعنوان "ميديوم"، والثالث بعنوان "رياحين"، وكانت كلها تتناول الهم الإنساني بحالات خاصة كي نستطيع أن نكثف العرض المسرحي، ونخرج من إطار الإطالة بسبب تشعب الحالات».

من عرضه الأخير "رياحين"

"زريقة" الذي قدمت كل عروضه على خشبة المسرح الجامعي يعلق على ذلك بالقول: «بسبب قلة أماكن العرض وصعوبة الحصول على حجوزات كان المسرح الجامعي المكان الأمثل للتجارب الجديدة، فهو يساعد المخرجين الشباب بعروضهم بدءاً من البروفات وحتى لحظة العرض، وما بعد العرض، بإتاحة عرض المسرحية بعدة أماكن وحتى بمحافظات مختلفة».

يشتهر المخرج الواعد باعتماده على كوادر شابة وعلاقته المتميزة مع طاقم العمل في أي عرض يقدمه، وهو يقول عن أهمية ذلك: «عندما تكون هناك علاقة جيدة بين المخرج والممثلين يكون العمل متطوراً ومتفاعلاً، ما يجعل العرض يتجه باتجاه التكامل نتيجة محبة الجميع وسعيهم لإنجاحه وليس لإنجاح الفرد، حينها تعرف أن الاعتماد على الشباب ليس مغامرة بل هم من يجعلون العرض يسير بشكل صحيح لأنهم يرفدونك بأفكار جديدة وخلاقة، وهذا ما حصل معي في مجمل أعمالي الثلاثة، وخصوصاً بالعرض الأخير "رياحين"، وعلى الرغم من محبتي لوليدي الأول "سوناتا" الذي ساعدني بمعرفة التعامل مع الممثل كمخرج، وأنا حتى الآن أتمنى أن يعود للعرض لأنه كان يعالج الحب من منظور شاب مخدوع وفتاة مخدوعة».

مدير المسرح الجامعي في المنطقة الساحلية، المخرج "هاشم غزال" لا يخفي إعجابه الشديد بالمخرج "زريقة"، ويقول: «تمثيلياً هو ممثل مجتهد يلتقط من كل من حوله محاولاً الارتقاء بموهبته إلى أقصى ما يستطيع، وينال في كثير من الأوقات ما يريد،

وهو مؤمن بأنه دوماً يجب أن يتعامل مع موضوع التمثيل أو حتى الإخراج على أنه يتعلم، وهو الوضع الأمثل للفنان لأنه يضمن التجدد الدائم في موهبته.

"قيس" المخرج لا يختلف كثيراً عن الممثل مع فارق الخبرة فتجاربه الإخراجية ما زالت تخطو خطواتها الأولى لكنها تتحرك بثقة، فهو يمتلك حالة مشهدية جميلة تتطور من عمل إلى آخر، وهو قارئ جيد ويبدو هذا واضحاً من خلال خياراته النصية واختيار النص هو أولى خطوات نجاح المخرج في الوصول إلى مبتغاه، وأتمنى منه التركيز على الاشتغال على الممثل وأدواته».

الممثل المسرحي "هاغوب عيد" يرى أن "قيس" رسم ملامح طريقه المستقبلي بوضوح، ويقول: «إنه فنان طموح لا يعرف اليأس، يعرف جيداً كيف يتعلم من تجارب الآخرين ويحقق الفائدة، وهذا قلَّما تراه في هذه المرحلة.

استطاع أن يرسم خطاً مسرحياً خاصاً به لدرجة أصبح المتلقي يعرف أن العرض من إخراجه من خلال مستوى الأداء الرفيع، وهذا ما يشير إلى أن ما ينتظره هو مستقبل مشرق».

أما الفنان والمصور الضوئي "وسيم محمد" فيقول: «هو من الأسماء المهمة في المحافظة، تميز بطريقته في نقل العمل المسرحي للمتلقي بشكل حسي يأسره من البداية وحتى النهاية.

استفاد كمخرج من أنه ممثل بالأصل واستطاع أن يخلق في داخل الممثل عالماً ينقله من خلاله إلى الشخصية بشكل سلس، وتعتمد أعماله على نقل الصورة بشكل فني حسي عالٍ، حتى في حالات الكوميديا تكون كوميديا سوداء (مضحك مبكي)، ويبقى الإحساس هو سيد أعماله».