فنان شاب أعاد إحياء التراث الفني الساحل السوري بطريقة معاصرة قريبة من معظم الفئات، له حضور مميز على المسرح ويتأثر كثيراً بالرحابنة وجوزيف صقر دون أن يتطبع بطابعهم، شق طريقه بصعوبة من بيئة يتسيدها اللون الشعبي الجبلي "الدبكة" واستطاع رغم ظروفه القاسية أن يجد لنفسه مكاناً مرموقاً.

الفنان "سامر أحمد" حلَّ ضيفاً على موقع "eSyria" يوم الجمعة 21/1/2011 فكان معه الحوار التالي:

أجمل مايميز سامر صوته والرتم الهادئ الذي يغني به فهو يسرق خيال المستمع بهدوئه ويجره للتفكير بما وراء الكلمة واللحن

  • من أين أتيت بهذه الموهبة الخلاقة؟
  • سامر يحتضن صديق العود

    ** إنها والدتي، فهي من ورثتني تلك الخامة الصوتية بعد أن ورِثَتْها عن جدي الذي كان كمعظم رجال المنطقة قارئاً للقرآن لكنه تميز بصوته المملوء بالخشوع والوقار.

    * وكيف بدأت الغناء؟

    ** لا أعرف ولا أذكر نفسي إلا وأنا أغني، كل ما أذكره أن والدي كان يحب العود كثيراً ويحب الاستماع إلى صوته فأرادني أن أعزف على العود إلى جانب الغناء فاشترى لي عوداً وطلب من صهري أن يعلمني المدرج الموسيقي وأصول العزف، وما لبثت أن أصبحت مشروع عازف عود، ولكي يكتمل هذا المشروع انتسبت للنادي الموسيقي وهناك تدربت على يد الأستاذ الراحل "أحمد طريفي" ومن بعده الأستاذ "محمود عجان" الذي لم يكن يعطي دروساً بمعنى الدروس بل كان يعقد جلسات عمل للموسيقيين كل يوم "خميس" وإذا كان لدينا أسئلة يمكننا لقاءه في يوم آخر لكي يجيب على الأسئلة.

  • ما الذي تعلمته من الموسيقي الراحل "محمود عجان"؟
  • ** رغم أنه كان كبيراً في السن خلال الفترة التي عرفته خلالها إلا أنني تعلمت منه الكثير، وعلى سبيل المثال كنت أتناقش معه في النظريات الموسيقية والمقامات وكثيراً ماكان يوضح لي ما أجهله، كما أنني تعلمت منه التعامل مع روح المقام بخلاف ما هو شائع في هذه المرحلة ففي هذه المرحلة الموسيقي يأخذ المقام ويعزف عليه بشكل اعتباطي وهذا كان يرفضه كثيراً، وكثيراً ما ركز على ضربات أصابعي على الآلة وعرفني ما هو المعنى الروحي للمقام ومن أي بيئة صدر وما حالته النفسية.

    من إحدى حفلاته

  • من كانت تعشق أذنك في تلك المرحلة؟
  • ** لقد عشقت الأغنية السورية التي قدمها الراحل "فهد بلان" الذي كثيراً ما كنت أستمع له وأشعر بالرهبة أمام عظمة صوته، كما أنني تأثرت باللون اللبناني وخصوصاً العملاق "وديع الصافي" و "نصري شمس الدين" بينما لم أكن أسمع "فيروز" فقط بل كنت أعيش بين أحضان أغنياتها وأذني كانت تغرق في بحر جمال صوتها، ومن بعدهم ارتبطت أذني بكل من "جوزيف صقر، زياد الرحباني"، لقد تعلمت من كل هذه المدارس لكن أكثر منن علمني كيف أتعامل مع الحرف هما "فيروز وجوزيف صقر".

  • كيف تعلمت التعامل مع الحرف، وضح لي أكثر؟
  • ** الساحل السوري متنوع اللهجات وكل منطقة لها لكنتها الخاصة وكذلك لبنان فهو بلد متعدد اللهجات والسيدة فيروز ومن خلفها الرحابنة وظفوا كل لهجات "لبنان" في مسرحياتهم ووحدوا كل البيئات الاجتماعية من خلال الشخصيات التي قدموها والنمط الغنائي الذي غنوه ومن هنا أنا تعلمت كيف أطبق ذلك على لهجات الساحل السوري وبدأت أبحث وأقلب في المناطق الساحلية عن مفردات ولكنات ولهجات كل منطقة لكي أعرف كيف أستفيد من كل كلمة وكيفية لفظها في الجملة وكيفية لفظ الحرف والحالة التي يعبر عنها وهذا ما بدا واضحاً في أغنياتي فيما بعد.

    عندما يقول الإنسان عن نفسه أنه مغن يجب أن يعرف كيف يغني وماذا يغني.

  • متى كان أول ظهور حقيقي للفنان "سامر أحمد"؟
  • ** من بوابة مهرجان "عين البيضا" الثقافي الذي قدمت خلاله لوحات فسيفسائية لكل الأطياف الموسيقية التراثية والمعاصرة في الساحل السوري، الجمهور أعجب بهذا النمط وقدر حجم العمل المبذول قبل الوصول إلى هذه المرحلة فكثرت الحفلات والدعوات إلى أن التقت توجهاتي مع توجهات البيت العربي للموسيقا وبدأنا العمل سوية وكانت باكورة تعاوننا أمسية للرائع "جوزيف صقر" وصل صداها إلى الأسطورة "عصام الخطيب" الذي بادر إلى دعوتي للاستماع إلى صوتي فكانت بداية تاريخ جديد كتبناه سويةً.

  • من "عصام الخطيب" وما التاريخ الذي كتبتموه معاً؟
  • ** "عصام الخطيب" هو كاتب وملحن رفيع المستوى على نمط الرحابنة وجوزيف صقر ويختلف عنهم بأنه كان إنساناً فاقداً للبصر ومع ذلك فإنه كان يرى ما لا يراه حاد البصر، والتاريخ الذي كتبناه معاً هو الأغنية والفن والأمل فالأغاني التي أعطاني إياها "الخطيب" إذا عرفنا أن كاتبها ضرير نستطيع القول أنه كاتب صنع تاريخاً فنياً معاصراً فهو يقول في أغنية له "خلي الشعر مفلوش من فوق الصدر تتراقصو النهدات لما بتنهدي شعرك فلشتو مثل ورقات الحبق لما بتلفش حالها تلم الندي".

    ومن ثم يبدأ مطلع الأغنية "مثل القصب متخصور وواقف على حيلك" إن هذه الكلمات لوحدها تكتب تاريخاً جديداً من الأغنية تاريخاً مليئاً بالتساؤلات كيف رأى هذا الشخص شعر الأنثى وكيف عرف الحبق والندى وأين رأى القصب يتخصور ويقف على حيله.

  • صحيح أنك في مرحلة من المراحل قررت ترك الغناء ومن ثم عدت عن قرارك؟
  • ** نعم لعدة أسباب أهمها ظروف العائلة المادية الصعبة التي فرضت علي حصاراً وسباقاً مع الزمن، فالفن لم يكن وسيلةً للعيش والحياة لاتعرف إلا العمل والإنتاج لذلك كنت مضطراً على البحث عن وسيلة عمل آخر أعيش منه، لكن المرحوم "عصام الخطيب" أعادني إلى فني وإلى الطريق الصحيح من خلال إرادته القوية وصبره على الشدائد فهو الوحيد الذي استطاع بوسائله البسيطة إقناعي بأن ما أعانيه أقل بكثير مما يعانيه هو وأنه عليّ العمل جاهداً لإيصال رسالتي والتفوق على الظروف المحيطة.

  • لقد طبعت نفسك بطابع غنائي بعيد عن ما هو شائع في المنطقة حالياً، ما سبب ذلك ؟
  • ** نعم إنه الطرب الشعبي الذي يعبر عن البيئة الساحلية وطابعها وثقافتها الغنية وهو لون قريب من طبيعة صوتي، وسبب انحيازي لهذا اللون أنني ابن لهذه المنطقة ومن الطبيعي أن أتعايش معها وأتعامل مع مصطلحاتها وأي فن يشبه منطقتي يجب أن يشبهني، كما أن تراث منطقتنا تراث غني وجميل ومع الأسف فهو يفتقد للإعلام الذي يظهره ويعرف الناس عليه، لا يوجد تبويب منهجي لهذا التراث وهناك غياب للمدون الذي يحفظه ويقوم بعملية أرشفة له.

    خلال تقديمي لهذا التراث اعتمدت على غناه بالمفردات وجمعت بين الساحل والجبل واللكنات المتعددة والأنماط الموسيقية المتوفرة فكنت صاحب لكنة بيضاء قريبة من مختلف اللكنات واللهجات المتداولة في منطقة الساحل السوري.

  • ما هي الآلات الموسيقية التي تعزف عليها؟
  • ** أعزف على (العود والبزق والناي والقانون) ولكل آلة حالتها الخاصة فالقانون يتطلب ذهنية معينة والناي أعطيه من روحي بينما البزق يشعرني بالحميمية، أما أكثر الآلات قرباً مني فهي آلة العود التي تربطني بها علاقة استثنائية.

    * ما سر علاقتك بالعود؟

    ** إنها علاقة روح فأنا ألتقي معه في كل شيء وعندما أحضنه وأبدأ بالعزف أشعر بحالة من الدفء والحنان والحميمية التي يشعر بها الطفل عندما يخشى شيءً ما ويرتمي في حضن والدته لتحميه.

    يعمل "سامر" مع مجموعة من الشبان الذين يتفقون معه على خط سيره ويؤمنون باللون الذي يقدمه، ويقول عازف الناي "إدريس وطفة" وهو أحد أعضاء فرقته:«مضى عامان منذ أن بدأ التعاون بيني وبين "سامر أحمد" وفي كل يوم كنت أتعامل فيه معه كان يتضاعف يقيني بأنه رجل على خلق رفيع يحترم فنه ويخلص له وإخلاصه لفنه هو سر نجاحه وفي معظم الحفلات التي اشتركنا فيها كان الجمهور يصيح مطالباً بإعادة بعض الأغاني التي يغنيها وهذا يدل على حسن اختيار الكلمات وقربها من الجمهور بالإضافة إلى اللحن القريب من الناس باختلاف ثقافتهم ووضعهم الاجتماعي».

    لقد كان لسامر الكثير من الحفلات الناجحة على مايبدو ويقول رئيس جمعية عاديات "جبلة" الأستاذ "جهاد جديد": «سامر يمتلك تجربة غنية تجمع التراث والمعاصرة بطريقة ذكية استطاعت أن ترضي مختلف الأذواق، نحن في جمعية العاديات سبق وأن أقمنا حفلاً خاصاً له وقد كان حفلاً يلبي الطموح ويكرس التوجه الثقافي الذي نسعى له فالأغاني التي يغنيها سامر هي أغانٍ ثقافية تراثية مفرداتها من وحي الواقع لذلك فإنها تدخل قلوب الناس بسهولة».

    صوت سامر محط إعجاب الكثيرين فتقول الدكتورة "لينا ميهوب" وهي من المستمتعين بالاستماع لصوته:« أجمل مايميز سامر صوته والرتم الهادئ الذي يغني به فهو يسرق خيال المستمع بهدوئه ويجره للتفكير بما وراء الكلمة واللحن».

    بينما يقول بطل العرب بالملاكمة "عبد الحميد محفوظ علي":«إنه الوحيد الذي استطاع أن يقدم اللون الشعبي الطربي بطريقة راقية، فالألحان جميلة متميزة تم تأليفها خصيصاً له ولكلمات أغانيه التي لم يقع فيها في فخ التكرار وابتعد عن النمطية وجعل الجمهور يقبل عصرنة التراث أو التراث المعاصر الذي يقدمه، من ناحيتي وبعد حضوري لأول حفلة له قمت بجمع كل أغانيه في سيدي وهو لا يفارقني في سفري المتكرر».

    الجدير بالذكر أن الفنان "سامر أحمد" من مواليد قرية "القلوف" قضاء محافظة "اللاذقية" درس في مدرسة "عين البيضا" وثانوية "مشقيتا"، احترف الغناء في مطلع الألفية الثالثة وقدم العديد من الأغاني الطربية والتراثية كان أشهرها "مثل القصب، يا ورد، ليش سألتيني، ضل كبير".