(كل عار وأنت بخير) عنوان لطالما اتصف بالندية ولربما طرح الكثير من التساؤلات التي منحت المسرح القومي هذه الليلة طابعا مثيرا ومستفزا سيحمله كل من جلس يراقب انطباعات الاخوين ملص كاتبي العمل ومخرجانه وممثليه الوحيدين.

الصحفي "أحمد شلهوم" وفي لقاء مع esyria تحدث عن ما شاهده في عرض اليوم للاخوين "ملص": «كما يبدو أن الأخوين أرادا منذ البداية إطلاق النار على الجمهور الذي جاء إلى هذه الغرفة حاملاً ضيقه وحزنه وفرحه واستغرابه، ويبدو أن المسدس الذي حمله العسكري نزار مهدداً صديقه الشاعر يوسف لإجباره على التحدث لحبيبته (ميس)، كان موجهاً أيضاً للجمهور ولمديرية المسارح التي أدارت ظهرها لهذه التجربة المسرحية المتميزة، وهذا ماعبر عنه الأخوان ملص.

انها موجهة في صدر كل عار، وفي تفصيل كل عار وفي اساس كل عار مهما يكن

ولكن النار الموجهة للجمهور كان الغرض منها الإمتاع بينما النار الموجهة لمديرية المسارح كان الغرض منها الإحساس بهم وبحال تلك التجربة التي تفردت ببساطتها وسهولة تكوينها وايحاءاتها الغزيزة.

المخرج الشاب زياد القاضي

رغم كل ما بالغ فيه الممثلين خلال تجسيدات العمل وتصوراتهما للعمل في اكثر من ساعة زمنية وداخل مساحة ضيق بكرسيين من القش وصورة طفل يبكي معلقة على جدار وهمي، وابريق ماء تعد به ماء المتة مشروب العسكري الشاب الذي يتغنى في كل سماحته وبساطته في انتظار المستقبل وما يخفيه له القدر وفي حلم خاص يتكرر في سريرته الا وهو نقل خاتم خطبته من "امونة" الى يده اليسرى..اي الزواج منها».

ويضيف "شلهوم": «بينما يغط الممثل الاخر يوسف في عمق الموسيقى وحيثيات الكتب والاسماء التي تشرده عما في خارج الغرفة الصغيرة، حيث يجالسه النسيان لكل شيء قادم منه واليه، ويبقى فقط يعاند ان الا ينسى ماضيه، وذكريات عشقه لفتاة احبها منذ اربعين عام مضت.

وهنا تظهر تناقضات الشخصيتين في ظل ان الأولى، شاعر يريد العودة إلى الماضي ليحقق أمجاده، بينما الشخصية الثانية فهي لعسكري يحلم بقدوم المستقبل لتحقيق أحلامه، وبين المساحتين المتخيلتين الماضي والمستقبل يبدأ الصراع الدرامي بين الصديقين ليكتشفا بالنهاية أنهما أضاعا عمرهما في وهم المستقبل المنتظر والماضي الذي رحل».

المخرج "زياد القاضي" تحدث بالقول: «يدلنا هذا الاختلاف ما بين الشخصيتين وان قلبت الصورة في بعض الاحيان بينهما إلى مدى التهميش الذي تعيشه الشخصيتان، تهميش يأخذهما إلى منطقة أحلام اليقظة التي تعبر عن واقع قاس لايرحم، ضمن مساحة الضيق.

يتحركان، أو لعلها الحياة تحركهما، فيرقصان معاً، يحتفلان بعيد، لانعرف ماهو او ان صح التعبير انه عيد وهمي هما من ابتدعاه او حتى تعودا التواجد والاحتفال فيه، وكأن العيد، عيدهما مهمش مثلهما، وبين الجملة والجملة تأتي الضحكة محملة بالبكاء، أو البكاء المحمل بالضحك للحظات».

ويضيف "القاضي": «ان رحلة الماضي والمستقبل وضياع الهوية الزمنية للحدث في هذا العرض كانت كفيلة بابراز حالة فقدان الحاضر من مفرداتنا اليومية وكفيلة بالخروج من الحد المكاني الضيق الى مدى اوسع تزينه لوحات اراها تراجيدية الموضوع كوميدية الشكل حيث استطاع التوأم ملص إلى التلميح والتصريح احيانا بقضايا تمس شريحتين كبيرتين في مجتمعنا بطريقة جميلة وقريبة من الجمهور.

من خلال التركيبة الحوارية والحالة الحركية القريبة من حالة الشارع بعيداً عن التصنع باخراج مدروس لم يبخل على المتفرج المسرحي بدلالاته الجميلة كيد مقطوعة وطلقة لم تخرج من مخزن مسدس تناوب عليه الاثنين في تهديد بعضهما».

الاخوين "ملص" وفي حديثها لـesyria بعد انتهاء عرض العمل تحدثا: «اليوم هي المرة الثالثة لنا من حيث مشاركاتنا في فعاليات مهرجان الكوميديا المسرحي الدولي، وهذا المهرجان على وجه التحديد له في قلوبنا كل التقدير والاحترام، منه انطلقت مجمل اعمالنا الشهيرة والتي انطلقت الى الشهرة، منها ميلودراما وسواها».

يضف الاخوين "ملص: «اليوم عملنا على التركيز على ما يحصل لنا في حياتنا من تناسينا المقصود او غير المقصود للحاضر وتطلعنا الدائم للماضي بكل ما مر بنا من ذكريات او الى المستقبل وما يحمله لنا من تطلعات وهمية لا دليل حقيقي على تحققها.

والشباب جميعها للاسف ومن خلال ما نراه جميعه يتطلع الى الحاضر بكل تخيلاتهم وافكارهم دونما أي عمل يوصلهم بامان اليه، او ان البعض ايضا يبقى اثير الامجاد والنجاحات التي لربما بطل تاثيرها اليوم لانها مجرد امجاد لا تغني أي شيء من حاضرنا الذي يتطلب منا باستمرار ان نعد له كل العدة والتحضير لانه باختصار واقعنا الحالي والاني والواقعي».

وعلل الاخوين ملص تسميتهم للمسرحية بكل عار وانت بخير بقولهم: «إننا نحتفل وللاسف في كل وقت وحين من حياتنا بكل ما هو عار وكل ما هو سخيف وغير مجدي، فالعار هنا ليس فقط العار بمعناه بل هو عار الرياضة عار المجتمع او عار الحياة او عار أي شيء مضى وحدث ونسي، او عار أي شي او فعل لم يحدث بعد وانما انه مجرد حلم وتخيل».

وعن الرصاصة التي بقيت في مسدس الاخوين وعن مصيرها، تحدث الاخوين: «انها موجهة في صدر كل عار، وفي تفصيل كل عار وفي اساس كل عار مهما يكن».

يقول المسرحي "قتيبة غانم" في شهادته على العرض: «إن لعبة التبادل ما بين الماضي والمستقبل والتي قاما بها الاخوين ملص، كانت لعبة مميزة وخاصة تجسيدها للشريحتين الاكثر في المجتمع والتي هي المتثاقفين والمدعيين الوطنية الا اني رايت ان المدعي بكلا الحالتين هو وطني حقيقي حيث ان التوأم ملص استطاعا ايصال رسائل جميلة عن اللحمة الوطنية والانسانية».

تجدر الاشارة اخيرا الى ان التوأم ملص اعلانا رسميا انطلاق عرض عملها الجديد كل عار وأنت بخير في 5 شباط/ فبراير 2011..