قلمها بوصلتها التي تشير إلى آلهة القصيدة، فتجعل من ربة الكتابة أيقونة مشعة من القوة والجمال؛ تُعبد وتُقدس وتختصر الطريق صوب الحروف الموسومة بالشغف.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الشاعرة "ديمة حسون"، بتاريخ 1 حزيران 2018، لتحدثنا عن شغفها بالكتابة، فقالت: «لست أكثر من امرأة تستحم بالكلمات لتصفو النفس ويصفو معها الجسد، فالكتابة لا نختارها عن وعي وإرادة، وزمان البدء معها غير معلوم يدق بإيقاع رتيب ومسار منتظم كالإبرة المغناطيسية التي تتجه دوماً نحو الشمال، ربما لأنها مثل الحكمة ومضةٌ تولد بلا إذنٍ في أرواحنا، فنتذوقها وندمنها لتصبح في النهاية فلسفتنا الخاصة التي تريد أن تُكتب حرّة وشجاعة، فهي المستحيل الذي يستحيل القبول به مستحيلاً، وأنا أكتبُ من أجل استعادة نفسي، وتربية روحي على المضيّ قدماً في تتبع ذاتي، فالشّعر نوعٌ من الغيبوبة الصّوفية والغبطة الرّوحية ننتشي به كما ننتشي بالموسيقا الجميلة من دون أن نعرف اسم العازف أو الملحن، والشّاعر يتبع نفسه ليبحث لنفسه عن رفاق حصَاد، حيث إن الإنسان الشّاعر والفنان والكاتب على حدّ السواء، ليس إلا تراكمات كثيرة لقراءات عظيمة لا يمكن أن تختصر نفسها بعدد محدد من الكُتّاب والمبدعين، وهذه التراكمات اندمغت مع الزّمن في كياني وتماهت معه بآلية فنية خاصة، فكل مبدع مَسَسْتُ رُوحه من حرفه، واكتشفت من خلاله كيف يسقط في داخلي مطر آخر، فطوبى لمن كانت منهم الذّاكرة التي لا تُحطّم بقرار والثمل الحقيقي عن طريق اللغة، ليبقى للشّاعر في النّهاية -وإن تأثر بغيره من الشعراء- شخصيته الأدبية المستقلة الّتي تؤكد ذاته وكيانه».

"ديمة" تعطينا وعداً بأنها ستخبرنا عن مراعي الأصوات الهاربة أو الغزلان الشاردة شرط ألا نبحث عن ظل ناقص أو نحلم بالغيب الهارب، وكأنها تطالبنا باليقين الشعري؛ فهو رغيف الرب ما يزال، وهي تعلن أنها نقطة نور حرة مثلما هي بنت المتناقضات تستوطن هذا الصمت والهروب والحلم والذاكرة والبياض

وأضافت: «كما أن الشّاعر لا يمكن أن يبدع إلّا من داخل واقعه، فهو في حالة صراع دائم من أجل الخلق والتّوكيد على أنّ العُري النّفسي بكل أدرانه هو تآلف مع المكامن المخبأة فينا، ولا بد للمرء علاوة على ذلك أن يكون عميقاً وفيلسوفاً، وأن يكون هوّة بعيدة الغَور لكي يعرف ذلك الشعور، فمع كلّ نص جديد ننتهي منه، هناك كشفٌ جديدٌ ومعرفة جديدة لشخصيتنا».

ديوان الدم الهارب من البرتقال

أما حول القيود التي يفرضها الشاعر على نفسه، فقالت: «الموجب والسالب في الحياة يتجاذبان، والقَيد والحرّية جوانب اجتماعية ونفسية مُتغيرة، فما هو اليوم قناعة مَوبوءة قد يغدو غداً أوقيانوساً سحرياً نُبحر على متنه من دون أن نسأل إلى أين، لذا فإن سيكولوجيا الشعر كما أسميها لا تحتملُ أي قيدٍ، فهي حديقتنا اليومية الصغيرة الّتي نطلق فيها جنوننا لنتحرر بعنف من كل القواعد على مبدأ لو كان موقعنا محدداً سابقاً في الحياة، فإنّ الكتابة عبثية؛ لأنّها لا تمتلك أي تأثير بقدرنا المحتوم».

أما حول المشّجع على الإبداع ودور المرأة فيه، فقالت: «قد يكون حافزاً نفسيّاً مُسيطراً كالخيال على حياتنا، وقد يكون نابعاً من تراجيدية الواقع المعاش، أو عزلة متداخلة مع قسوة الظروف المحيطة، فالإبداع في النّهاية هو القدرة على الكشف والتّحليل النابعين من شعورنا الدّاخلي بالرغبة في الاستمرار حتى لو كنا وحيدين داخل زاوية مظلمة وصامتة، والمرأة وطن خاص حاضرٌ دائماً، وقد أثبتت وجودها وفرضت احترامها وعبّرت عن طموحاتها الإنسانية بقوة وجرأة في نصوصها، مع أن العالم العربي لا يدري إنْ كان معها أو ضدّها في الوقت نفسه، حيث إن رؤيته للمرأة كَشاعرة ذات حدّين، رُدود أفعاله آنيّة، والتزامه مستغرق في تعسّفه المقيم تحت ركام من الدّهور الناقصة والمأساة وانعدام الرضا، فهو اليوم يقع على شعرة واصلة بين الماضي والحاضر، والجيل المنبثقُ يحاول أن يتغلب على مرحلة تاريخية تستهلك ذاتها، والجميع فيها ضعيفون.

الكاتب علي عبد الله سعيد

عندما تتصالح الثّنائية داخلنا نتعلم كيف نتوازن، ونجعل من ضغوط الحياة معبراً نتعلّمُ منه كيف نعيش بسعادة سواءً كانت الدروب موجودة، أم لا تزال واهية كسراب».

وعن مشاركاتها الأدبية، قالت: «شاركت في العديد من الأمسيات الشعرية في المركز الثقافي في "اللاذقية" و"دمشق"، وقد حصلتُ على شهادة تقدير والمركز الأول عن قصيدة النثر في مهرجان "آذار" للأدباء الشباب الذي يجريه اتحاد كتاب العرب "اللاذقية"، ونشرت عدداً من القصائد في موقع "أنا الآخر" بإدارة وإشراف الأستاذ الشاعر والمترجم المصري "محمد عيد إبراهيم"، وموقعي "قصيدة نثر المرأة" و"شاعرة من سورية" بإشراف الأستاذ "محمد علاء عبد المولى"، كما نشرت مجموعة من النصوص في موقع "كُتّاب الشعر" بإشراف الأستاذ الشاعر "هشام الصباحي"، وموقع "واحة الفكر" بإشراف الأستاذ "خالد ديريك"، ثم كانت ولادة طفلي "الدّم الهارب من البرتقال" ليكون بذلك باكورة أعمالي الأدبية. أما مشاريعي المستقبلية، فهي لا تزال حالياً متعةً منزويةً داخل ومضَاتٍ تُهْدمُ وتنُحتُ باستمرار».

كما تواصلت المدونة مع الكاتب "علي عبد الله سعيد" ليحدثنا عن تجربة "ديمة"، حيث قال: «المرأة التي تقول في بدايات قصائدها أو كتابها أو عمرها أو ردها أو جملتها الشعرية "لا تشح بوجهك عني" تصلح للحب قليلاً وللشعر كثيراً، حيث يتجه نصها الشعري إلى التأسيس الفردي على مجازات شعرية أو لغوية بعيداً عن المألوف أو السائد اللغوي في القصيدة الحديثة، وتبدو الاستعارات والاستبدالات والمجازات كما يجب أن تكون لعبة لغوية لها ضروراتها التي تبحث عن جمالياتها التي تقودها في طريق الفرادة، أو النرجسية بأدق تفاصيلها».

أما "رجائي موسى" مدير إحدى دور النشر في "اللاذقية"، فقال: «"ديمة" تعطينا وعداً بأنها ستخبرنا عن مراعي الأصوات الهاربة أو الغزلان الشاردة شرط ألا نبحث عن ظل ناقص أو نحلم بالغيب الهارب، وكأنها تطالبنا باليقين الشعري؛ فهو رغيف الرب ما يزال، وهي تعلن أنها نقطة نور حرة مثلما هي بنت المتناقضات تستوطن هذا الصمت والهروب والحلم والذاكرة والبياض».

ونقرأ من ديوانها:

"أشعرُ بهِ: سَاخِناً استكَانَ دَمِي.

قَطِيعٌ آخرُ: بُؤرةُ الغُيومِ فِي عَينِ السّماءِ.

لِصَمْتٍ حَرِجٍ: صَوتُ الأبَدِيّةِ يُغنِي.

مَسأَلَةٌ نِسبِيّةٌ: ألوَانُ الفَرَحِ قبُورٌ مُؤقّتة.

خَاتِمَةٌ صَادِمِةٌ: قُبلَةٌ مُنطَفِئِةٌ لِمَشاعِرَ مُتَحوّلِةٍ.

-عَارِيانِ مَعَاً: بَيتُ الجَسدِ وَعَلاقَةُ المَعنى.

  • نُطفَةٌ بَيضَاءُ: لَونُ الحَياةِ المُمَزّقُ بَينَ عميَانٍ.
  • دَهشَةُ حَرف: نَثرٌ مُنظّمٌ يَشعرُ بِالمَللِ.

    خَطَأٌ مُشّوهٌ: النّفسُ وَالجَسَدُ، وَالثّابِتُ المُتغيّرُ.

    جُنونٌ مُخادِعٌ: فِكرٌ وَفيلَسُوفٌ".

    بقي أن نذكر، أن الشاعرة "ديمة فيصل حسون" من مواليد مدينة "أوغاريت" في محافظة "اللاذقية"، درست الحقوق في جامعة "دمشق"، وتعمل حالياً رئيسة لدائرة الرقابة الداخلية لدى الهيئة العامة لمستشفى "الباسل" لجراحة وأمراض القلب.