بين أحضان الوادي الأخضر يتربع نبع "الخريبة" بينابيعه المتعددة ومياهه العذبة، وموقعه الجغرافي الذي يتوسط عدة قرى، جعل منه مقصداً لمحبي الطبيعة والجلسات الشعبية، ومصدراً مهماً لمياه الشرب والري منذ القدم وحتى يومنا هذا.

لمعرفة المزيد عن نبع "الخريبة"، مدونة وطن "eSyria" زارت النبع بتاريخ 9 نيسان 2018، والتقت من أهل القرية "حسين سلمان" البالغ من العمر 72 عاماً، فتحدث عن قدم وموقع النبع، حيث قال: «يقع بين أحضان عدة قرى، منها: "كشور"، و"بجرنه"، و"الشزريقة"، و"بسنة". ويبعد عن الطريق الرئيس مسافة تقدر بنحو 200 متر، وكان قديماً يعدّ مكاناً يجذب أهالي القرى المجاورة لبناء بيوتهم الحجرية والطينية، باعتباره يقع في منطقة منخفضة ومحمية من الرياح، وتتوفر فيه شروط الحياة المتكاملة من مياه للشرب وأراضٍ صالحة للزراعة والرعي، وبعد التطور العمراني تم شق الطرق المعبدة إلى المناطق المحيطة بالنبع، فانتقل معظم القاطنين للعيش في أعلى السفوح المحيطة بالنبع، وبقي النبع مكاناً للشرب والزراعة في الأراضي الخصبة المحيطة به، وأصبح بالنسبة لنا محطة رئيسة أثناء تنقلنا للعمل في أراضينا الواقعة حوله، فكنا نتزود من مياهه ونسقي الماشية التي نربيها ومحصولاتنا الزراعية والخضراوات والأشجار المثمرة، كالتفاح، والجوز، والمراب، والمشمش، وغيرها، فمنذ مئات السنين والناس يستفيدون من وفرة المياه الموجودة فيه، ويعدّ المقصد الأساسي لأهالي المنطقة والقادمين إليها من المناطق والقرى المجاورة، الذين يقصدون النبع بهدف الحصول على مياه الشرب والتنزه والاستمتاع أيضاً بجمال الطبيعة والهواء العليل، وخصوصاً في أيام الصيف الحارة، حيث يعدّ من الأماكن الأكثر جمالاً في المنطقة، لكونه يمتلك غطاء نباتياً ساحراً ومتنوعاً، فهو يضم أنواعاً مختلفة من الأشجار الدائمة الخضرة والأشجار المثمرة، وعدداً من الينابيع المجتمعة في مكان واحد».

سبب التسمية يرجع إلى أن أصل التسمية لها علاقة بأسماء القرى المحيطة بها؛ "بسني" أو "بسنة"، و"بجرني" أو "بجرنه"، وهي أسماء آرامية قديمة، فمنذ مئات السنين كان الوادي المحيط بالنبع مسكوناً ومعموراً بالسكان ثم خرب واندثر، فأطلق على المنطقة اسم "الخريبة"، وهو تصغير لـ"الخربة"، وأقيمت المساكن على المرتفعات المحيطة بالوادي لتكوّن قرى "بسنة"، و"بجرنه"، و"كشور"

وعن طبيعة النبع وحدوده، حدثنا "أحمد بشير علي" مختار قرية "بجرنه": «يعدّ نبع "الخريبة" من أهم المناطق التي يقصدها الناس منذ القدم، فقد كانت مكاناً للسكن منذ مئات السنين، حيث يضم عدداً من الينابيع في مكان واحد، منها: "الفوارة"، و"الشرشور"، و"النبوعة"، و"الجوزة"، و"سليمة"، و"الخريبة" الأساسي الذي مازال يستخدم لمياه الشرب حتى يومنا هذا، إضافة إلى أن مياه ينابيعه كانت تتجمع في قنوات مائية، لتدوير الطواحين الحجرية التي كانت تستخدم في الماضي لطحن الحبوب المختلفة، أما في أيامنا هذه، فقد قام الناس بجر المياه عبر مضخات كهربائية للاستفادة من مياهه في المستلزمات المنزلية وري المزروعات الحقلية، كما قاموا ببناء راميات لتجميع المياه في أوقات الشتاء وتخزينها لري الأراضي الزراعية في الصيف، وعلى الرغم من وصول نبع "السن" إلى معظم بيوت القرى المجاورة للنبع، إلا أن أهالي القرية والقرى المحيطة مازالوا يقصدون النبع للتزود بالمياه الباردة طبيعياً، وتعبئتها في عبوات بلاستيكية لاستخدامها في الشرب».

المعمر"حسين سلمان"

وعن جغرافية منطقة النبع، حدثنا مدرّس الجغرافية "محمد حبيب داوود"، وقد كان مدير ثانوية المنطقة قبل أن يحال إلى التقاعد: «يمتد وادي نبع "الخريبة" من بداية قرية "بسنة" ثم "بجرنة" بطول 1كم ليشكل بعدها وادي "كنكارو"، كما أن اتجاهه من الجنوب الشرقي نحو الشمال الغربي بارتفاع يتدرج من 300م إلى 400م، أكسبه موقعاً متميزاً ومناخاً متوسطياً وحرارة معتدلة جعلت منه مقصداً لسكان المنطقة والقرى المحيطة به، بهدف التنزه والاستجمام بين غاباته المتنوعة الأشجار الدائمة الخضرة وطبيعته الساحرة الجميلة، إضافة إلى أن صخوره تعود إلى الحقب الثاني (الجوراسي الأوسط)، التي يسودها الحجر الكلسي وبعض الصخور الرسوبية التي تظهر فيها بعض المستحاثات البحرية؛ وهو ما أكسب النبع غزارة جيدة نتيجة ارتباطه بقنوات باطنية طبيعية تتركز في الصخور الكلسية التي ساهمت نتيجة تسرب مياه الأمطار والثلوج الموجودة على المرتفعات الجبلية المحيطة بالوادي في التسرب عبر الشقوق والمسامات المنتشرة فيها؛ وهو ما جعل غزارة النبع جيدة حتى في أيام الصيف».

وعن سبب تسمية النبع بـ"الخريبة"، تابع: «سبب التسمية يرجع إلى أن أصل التسمية لها علاقة بأسماء القرى المحيطة بها؛ "بسني" أو "بسنة"، و"بجرني" أو "بجرنه"، وهي أسماء آرامية قديمة، فمنذ مئات السنين كان الوادي المحيط بالنبع مسكوناً ومعموراً بالسكان ثم خرب واندثر، فأطلق على المنطقة اسم "الخريبة"، وهو تصغير لـ"الخربة"، وأقيمت المساكن على المرتفعات المحيطة بالوادي لتكوّن قرى "بسنة"، و"بجرنه"، و"كشور"».

نباتات الخريبة المتسلقة

وفي لقاء مع "عمار بشير سلمان" أحد سكان القرية، حدثنا عن ذكرياته عند النبع بالقول: «عشت طفولتي بين جنبات النبع، فمنذ الصغر كان نبع "الخريبة" مقصدي وأصدقائي للاستمتاع ببرودة المياه وممارسة السباحة في نبع "الفوارة" هرباً من حر الصيف، لما نجده من متعة ومغامرة للقفز في الماء والاستجمام تحت أشجار الجوز الضخمة التي تعد مكاناً مناسباً للمة الأهل والأصدقاء، للاستمتاع بما نأخذه معنا من مأكولات ومشروبات شعبية، إضافة إلى أن ما يزيد من جمال وادي النبع الجرف الصخري المحيط به والنباتات المتسلقة والمتساقطة من أعالي الصخور المحيطة به؛ وهذا جعله مقصداً للعديد من المدارس بهدف إقامة رحلات مدرسية واستكشافية علمية نظراً لتنوع غطائه النباتي وتشكيلاته الصخرية المميزة التي تزيد من جمال النبع، وتضيف إلى المنطقة تنوعاً مذهلاً في المناظر جذب المصطافين إليه من كافة المناطق».

عمار بشير سلمان