حمل الأسلوب الذي تميزت به الفنانة المختصة برسومات الأطفال "لينا نداف" توقيعها الشخصي، وذلك بترجمة الشخصيات الجامدة والمكتوبة على الورق إلى روح فنية مفعمة بالحياة، فتبدو الأعين وكأنها تحكي، والألوان حالمة؛ حيث تجمع بين البساطة والوضوح والغنى التربوي والبصري.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 15 كانون الأول 2017، مع الفنانة المختصة بالرسم للأطفال "لينا نداف"، وعن بداياتها حدثتنا بالقول: «عندما أسأل عن البدايات أعود بذاكرتي إلى الصف الأول، حيث كانت رسوماتي تدهش المعلمات، وخاصة المعلمة "حميدة نجار"؛ وهي فنانة تشجع المواهب وتدعمهم، وكانت تسعد برسوماتي وترفعها ليشاهدها الجميع ويصفقوا لي، وكان قلبي يصفق معهم؛ أظن أن تشجيع معلماتي في هذه المرحلة المبكرة كان له الأثر الأكبر في تكوين شخصيتي الأدبية، والاعتناء الذي تلقيته من قبل والديّ ساهم بزرع بذرة الفن بداخلي منذ الصغر وتنمية الحس الجمالي، إذ كان يحرص والدي على ملء جدران المنزل ببعض اللوحات العالمية الشهيرة والتحف الفنية، وكان يتقصد أن يشتري قصص الأطفال التي تحوي رسومات جميلة ومبدعة ويضعها أمامي للاطلاع عليها، وأتذكر أنني كنت أقف مطولاً أمام كل قصة وأتمعن بطريقة الرسم، وأحياناً أقلب صفحات المجلة مستمتعة بالرسوم، وأفهم القصة قبل أن أقرأها وأضع لها نصوصاً من مخيلتي، ثم أقرأ القصة المكتوبة، وأظن أن هذا كان تمريناً لتنمية الحس الفني، وساهم بتوجيه موهبتي نحو عالم الأطفال، وكان لمنظمة طلائع البعث دور بتشجيعي ودخولي في عالم المسابقات؛ فمعظم مشاركاتي كانت تحقق جوائز، وكنت من الرواد على مستوى القطر».

عملنا معاً في ورشات دعم نفسي للأطفال اللاجئين من مناطق مدمرة، وكنت أتابع مواهبها الفنية من خلال معارضها في مديرية الثقافة أو المعارض التشكيلية النسائية، ولاحظت أن موهبتها في الرسم استثنائية، لذلك خطر في بالي أن أدعوها إلى عمل مشترك يكون فاتحة دخولها إلى عالم كتب الأطفال، فكانت قصتي "الطاووس الجائع"، وأذكر الظروف الصعبة التي تم فيها العمل؛ فهي كانت تعمل معلمة في روضة أطفال، وكنت أزورها في الروضة بعد نهاية دوامي في العيادة، وكنا نتناقش بالرسومات والأفكار التي أقترحها للتعبير عن القصة، وكان النجاح حليفنا. أنجزنا عملاً مشتركاً في مجال قصص "الكوميكس"، وسيجد طريقه إلى النشر، وهي محلقة في عالم الرسومات للأطفال؛ وذلك لشغفها بهذا المجال

وعن موهبتها التي خرجت إلى العلن بعد أن تغذت على مشاعرها وأحاسيسها، قالت: «أحببت الرسم منذ الطفولة، لكن بعد حصولي على الشهادة الثانوية لم أختر التقدم لكلية الفنون الجميلة، بسبب الصورة النمطية لمعلم مادة الرسم في مدارسنا، فدخلت كلية التربية في جامعة "تشرين". وحبي للرسم جعلني أفتش في هذه المدينة عن مكان أصقل فيه هوايتي، فانتسبت إلى مركز الفنون التشكيلية، وبعد تخرجي في المركز مارست الرسم بمفردي، بعد البحث والقراءة عن مدارس الفنون وفناني العالم وعلم الجمال، وحاولت الاستفادة من الفنانين الذين قابلتهم، وكانوا يشجعونني ولا يبخلون بالمعلومات، ومنهم الفنان "أنس حامد".

من أعمالها في مجلة أسامة

عملي كمعلمة أتاح لي التعامل مع شريحة الأطفال، وتحول أبطال لوحاتي إلى شخصيات حقيقية، واستفاق حلم الطفولة وحبي للرسوم التي طبعت بذاكرتي من مجلتي "أسامة" و"أحمد" اللتين كنت أدمن على متابعتهما، وكان التأثير الأكبر لمقال أجرته مجلة الحياة التشكيلية مع الفنانة "لجين الأصيل" المختصة بالرسم للأطفال، وهي من الجيل الأول، وكنت أعشق رسومها وأحفظها عن ظهر قلب لأستمر بهذا الفن الجميل».

وعن مفهومها وطريقتها الخاصة، قالت: «الرسم للأطفال ليس سهلاً كما يظن الكثيرون من الناس، وأنا أحاول أن أقدم للطفل لوحة تشكيلية في كل صفحة من الكتاب ترتقي بذوقه الفني وحسه الجمالي، عندما أرسم قصة أو كتاباً فأنا أعيش مع أحداثه وشخصياته معظم الوقت، حيث أقاطع أحداث القصة مع أحداث الواقع، وأبدأ تخيل أشكال الشخصيات والبيئة انطلاقاً من الأشياء الموجودة حولي، وبعدها يخط القلم مزيجاً من أحداث وأفكار مع تفاصيل أعيشها وأشعر بها. أنا أؤمن أن جميع الأطفال لديهم حب كبير للرسم والألوان ويملكون الكثير من الإبداع، ويعد اللون بمنزلة الصديق المحبب لكل الأطفال، حيث يجذب الطفل للعب معه كما يلعب مع طفل آخر، وعندما يقلب صفحات المجلة يكون اللون أحد الأسباب التي تدفعه إلى المتابعة والقراءة والتعلم، فالطفل يتعرف اللون والشكل قبل أن يتمكن من القراءة؛ لهذا أوليه عناية فائقة، فالمجلة تساهم في بناء شخصية الطفل الاجتماعية والوجدانية والمعرفية، وتساعد في المحافظة على صحتهم النفسية، وتحقق التوازن السلوكي والاندماج الاجتماعي لديهم».

قصة "الطاووس الجائع"

وأضافت: «للفطرة دور مهم، لكن الدور الأكبر والأهم يعود إلى التجارب والبيئة ونوع التشجيع ونمط التعليم الذي يتلقاه الطفل، وكل ما أتمناه أن يقوم الآباء والكبار بدعم مهارات وإبداعات أطفالهم وتطويرها، والتنويع في التقنيات المستخدمة في رسوم كتب الأطفال أمر ضروري، برأيي هو يشد انتباه الطفل أكثر ويجذبه بقوة، وفي لوحاتي أستخدم الألوان المائية والخشبية والأكريليك، وأتمنى أن تتطور هذه التجربة للفت نظر الأطفال إلى أهمية الأعمال اليدوية التراثية وإحيائها من جديد، وعلى الرسام المختص بالرسم للأطفال أن يبقى على اطلاع على ما ينتج في مختلف أنحاء العالم من أعمال في مجال رسوم كتب الأطفال، ووسائل الاتصال الحديثة سهلت كثيراً ذلك، وأشعر بمسؤولية كبيرة تجاه عملي كرسامة للأطفال؛ فما يطبع في ذهن الطفل يبقى طوال عمره، فبعض المفاهيم أو الصور النمطية التي تعلمناها من صغرنا من الصعب جداً تغييرها حتى لو أردنا ذلك، وأمتنع أحياناً عن رسم بعض المشاهد التي أشعر بتأثيرها السلبي في الطفل، وقبل أن أبدأ رسم أي قصة أو كتاب للطفل أجري بحثاً طويلاً عن موضوع الكتاب لأكون ملمة بكافة جوانب موضوعه، وأتمكن من إيصال فكرة الكاتب بأفضل أسلوب ممكن، وكثير من الأحيان تكون مرحلة البحث أطول من مدة تنفيذ الرسوم».

الفنانة "ضحى الخطيب" المختصة بالرسم للأطفال، كان لها رأيها برسومات "نداف"، تقول: «لم يتسنَّ لي معرفتها شخصياً، لكنني عرفتها من خلال رسومها المشغولة بحب، ولفتني شغفها الواضح باللون، فريشتها تمتلك قدرة على إعطاء الحياة للشخصيات والتكوينات الجامدة في اللوحة، فأصبحت رسومها مميزة وغنية بالتفاصيل، وتفيض بالحب، فتبدو الأعين وكأنها تغني، والألوان كأنها تحلم. مشت بخطوات واسعة باتجاه أسلوب يميزها، وصار أسلوبها توقيعها الشخصي، وشعارها العمل ثم العمل، وامتلكت قدرة على معالجة الإشكالات التي يفرضها بياض اللوحة على الفنان بأسلوب ممتع بصرياً، فشعرت بأنني أعرفها أكثر في كل لوحة، فهي فنانة عالية الإحساس تمكنت من حل لغز لوحة الطفل، فالتوجه إلى الطفل بحاجة إلى البساطة والصدق ولو على صعيد نص لوني، وإلى الثقافة والعمق في ترجمة ما هو صعب وسهل في الوقت نفسه، وأقصد بذلك تحويل النص اللغوي إلى لغة بصرية واضحة وممتعة تربوياً وفنياً، و"لينا" تمكنت من ذلك؛ فألوانها قادرة على جعل روح مظلمة تضيئ، وتمنح الدفء في عز البرد».

من مشاركتها بإحدى الفعاليات للتشجيع على القراءة وتنمية المواهب الفنية

أما الكاتب والدكتور "مصطفى عبد الفتاح" الذي حازت قصته "الطاووس الجائع" جائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج، ورسومات القصة تعود إلى الفنانة "لينا نداف"، فقال عنها: «عملنا معاً في ورشات دعم نفسي للأطفال اللاجئين من مناطق مدمرة، وكنت أتابع مواهبها الفنية من خلال معارضها في مديرية الثقافة أو المعارض التشكيلية النسائية، ولاحظت أن موهبتها في الرسم استثنائية، لذلك خطر في بالي أن أدعوها إلى عمل مشترك يكون فاتحة دخولها إلى عالم كتب الأطفال، فكانت قصتي "الطاووس الجائع"، وأذكر الظروف الصعبة التي تم فيها العمل؛ فهي كانت تعمل معلمة في روضة أطفال، وكنت أزورها في الروضة بعد نهاية دوامي في العيادة، وكنا نتناقش بالرسومات والأفكار التي أقترحها للتعبير عن القصة، وكان النجاح حليفنا. أنجزنا عملاً مشتركاً في مجال قصص "الكوميكس"، وسيجد طريقه إلى النشر، وهي محلقة في عالم الرسومات للأطفال؛ وذلك لشغفها بهذا المجال».

يذكر أن "لينا نداف" من مواليد "إدلب" عام 1983. خريجة كلية التربية في جامعة "تشرين"، اختصاص معلم صف، وخريجة مركز الفنون التشكيلية في "اللاذقية"، وعضو في اتحاد الفنانين التشكيلين السوريين، وحاصلة على شهادة مدرب تربوي، ترسم بعدد من مجلات الأطفال، منها: "أسامة"، وصدرت لها عدة كتب للأطفال من رسوماتها في عدة دور نشر عربية.