"لبن وعجين"، هي إحدى العادات المعروفة التي رافقت العرس الريفي في الساحل السوري منذ القدم، ومازالت تمارس إلى اليوم وإن كانت بقلة، وتلك العادات لها دلالات وطقوس خاصة ارتبطت بهذه المناسبة.

وحول هذه المناسبة وطقوسها في مدينة "جبلة"، تحدث لمدونة وطن "eSyria" المعمر "عبد العزيز محمد" (سبع وسبعون) عاماً، بتاريخ 9 كانون الأول 2017، حيث يذكر أن آخر عرس حضره في القرية يعود إلى مطلع الثمانينات، وقال: «على الرغم من أن العرس الساحلي طرأ عليه الكثير من التغيرات عبر الزمن، سواء بطقوسه وطريقته بالاحتفال، إلا أنه مازال محافظاً على وقعه الاجتماعي المفرح والمؤثر الذي يجمع الأهالي والأصدقاء في حدث شعبي، لكونه مناسبة حقيقية للفرح، وبقي مرتبطاً بعدد من الطقوس والعادات التي ماتزال محافظة على أصالتها الحضارية، وتعدّ جزءاً أساسياً من مكونات العرس الساحلي، فالعرس قديماً يعدّ ظاهرة مهمة لاجتماع أهالي القرية من دون أي دعوة موجهة لحضور العرس، وكان جميع سكان القرية والقرى المجاورة يجتمعون لإحياء طقوس العرس من أغانٍ وأهازيج ودبكات وقرع على الطبول. أضف إلى أن الاحتفالات بالعرس كانت تستمر لمدة سبعة أيام بلياليها، ويتم نقل العروس من بيت أهلها إلى بيت أهل العريس بعدة طرائق، منها: من كان ينقل عروسه فوق حصان تم تزيينه من قبل أهل العريس، أو تمشي العروس في مقدمة الموكب من بيت أهلها إلى مكان الاحتفال، وخلفها يسير أهل القرية وهم يغنون الأغاني الشعبية ويدبكون على أصوات الطبول، وعند وصول موكب العروس تتقدم الموكب أخت أو أم العريس لاستقبال العروس بالأغاني الشعبية الخاصة بالعرس، وهي تحمل في يدها صينية تم تزيينها بقطعة مطرزة وعليها كأس من اللبن وقطعة من العجين، حيث أن اللبن للدلالة على الأيام البيضاء والسعيدة التي تجلبها العروس معها، ولا بد للعروس من شرب القليل من اللبن وضرب الكأس بالأرض بقوة كي يكسر، وإن لم تكسره العروس يكون فألاً غير جيد لها في حياتها الجديدة. أما بالنسبة لكرة العجين، فعلى العروس أن تلصقها فوق عتبة الباب للدلالة على استمراريتها في بيت زوجها، وهناك من يضع القرآن فوق رأس العروس من قبل أخ العريس كتقليد قديم لتتبارك به. أما اليوم، فقد هجر بعضهم تلك العادة بحكم أن الأعراس أصبحت تقام في الصالات المغلقة».

أن عادات الزواج كانت مشتركة في كل الساحل السوري حتى "فلسطين"، والاختلافات ظهرت حديثاً حسب التطور الذي طرأ على الأماكن

وأضاف: «كانت الأعراس في الماضي تقام بمجهود أهالي القرية، حيث كان الشباب والصبايا يجتمعون في ساحة أو حاكورة قريبة من بيت العريس، وينظمونها من حيث ترتيب الكراسي والطاولات وتجهيز الإضاءة، بينما تكون النسوة مشغولات بتحضير الطعام. وكانت تقام حلقات الدبكة مع الأغاني الشعبية في فضاء القرية، منذ انطلاق موكب العريس لإحضار العروس من منزل أهلها وحتى وصولهم إلى مكان الاحتفال، وأغلب هذه الأغاني من طراز (المواويل والعتابا)، التي تستدعي الدبكة وتضفي جواً من الحماسة بين الشباب. بينما في أيامنا هذه أصبحت صالات الأفراح هي المكان الذي يقصده الناس لإحياء أفراحهم، فتضاءلت الحالة الجماعية التي كانت جزءاً من فرح العرس».

عبد العزيز محمد

وفي حديث مع "رانيا عباس" خريجة علم اجتماع، قالت عن طقوس الزواج في الساحل السوري: «تمثل تقاليد وطقوس إتمام الزواج وإقامة الأعراس حاضناً حقيقياً للكثير من العادات والتقاليد الأصلية التي كانت سائدة في المجتمع السوري بوجه عام، وفي الساحل السوري بوجه خاص، فحتى أواسط القرن الماضي كان يرتبط بعدد من الأساسيات لقيامه، حيث كان يمتد لمدة خمسة أو سبعة أيام يسيطر على جوه الفرح العفوي والعمل التعاوني الذي يشارك فيه كل أهالي القرية، فلم يكن العرس قديماً يخص أهل العريس والعروس فقط، وإنما كان فرحاً لكل أهالي القرية أو الحي. أما اليوم، فقد تلاشت واندثرت الكثير من العادات والطقوس نتيجة التطور الذي طرأ على الأرياف. أما بالنسبة لعادة تقديم اللبن والعجين، فما تزال موجودة في العديد من مناطق الساحل السوري حتى يومنا هذا».

أضف إلى أن الباحث "سامي ريحانا" يذكر في كتابه "موسوعة التراث القروي": «أن عادات الزواج كانت مشتركة في كل الساحل السوري حتى "فلسطين"، والاختلافات ظهرت حديثاً حسب التطور الذي طرأ على الأماكن».

من صور تقاليد العرس القديمة في الساحل السوري