يعدّ الطبيب "نَمير هدبة" واحداً من خمسة أطباء في الوطن العربي الذين يحملون شهادة في العلوم البصرية، اختصاص تعويضات وجهية، وقد قدّم عيوناً اصطناعية مجانية للمئات ممن فقدوا عيونهم بسبب الحرب.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 9 تشرين الثاني 2017، الطبيب "نمير هدبة"، فتحدث عن حياته قائلاً: «في طفولتي كنت أرسم الوجوه التي أراها بدّقة وأنحتها بإتقان، والجوّ العائلي هيأ لي ولإخوتي ممارسة هواياتنا ورفع مستوى تحصيلنا العلمي، حيث يعمل والدي بالبصريات. كان والد جدي (مكحلاتي)؛ الذي يكحل العين بالكحل، ويقولون له (مُهدِب) كما يُقال، جاءت تسمية عائلتنا "هدبة" من ذلك، وعند هجرة الأرمن استقبلهم جدي ووالده في منزلهما، ولم تكن مهنة النظارات معروفة آنذاك، فعلّموا المهنة لجدي وورثها أبي منه، وأنا كذلك ورثتها من أبي، لكنني وظّفتها بطريقة علمية وخبرة، وبعد تفوقي في الثانوية العامة ساعدتني ظروفي على السفر عام 1998، وسجلت في الكلية الملكية للاختصاصيين البصريين في "إيطاليا"، وضمن الكلية يوجد قسم تعويضات وجهية (عيون اصطناعية، أذن، أنف) لمعالجة التشوهات العادية (الخلقية)، أو الإصابات الحربية التي تسبب تشوهاً أو استئصالاً».

حين أُصبت بقذيفة عام 2014، وبعد إجراء عمليات عدة أخبروني بأنني فقدت عيني اليمنى، كانت حالتي النفسية سيئة جداً، ولم أغادر المنزل بسبب عيني التي فقدتها وعدم قدرتي المادية على تركيب عين اصطناعية بدل العدسات الجاهزة البلاستيكية التي تعيقني دائماً، وحين رأيت صديقاً لي فقد عينه أيضاً لم أستطع تحديد الفرق بين عينه السليمة والمصابة، فأخبرني بالطبيب "نمير"، وقررت المجيء إليه، كما أنه لم يتقاضَ أي أجر مني مقابل العين الاصطناعية

ويضيف: «أُعدّ من الأشخاص الذين يتمتعون بمَلَكة الرسم والنحت، إضافة إلى الخبرة العلمية والطبية؛ وهذا ساعدني على الدمج في رسم العين أو الأنف أو الأذن، ثم تصنيعها، وهذا يتطلب دقة كبيرة، فالعين بصمة الوجه، واليوم أصنع عيناً مماثلة للعين الحقيقية بنسبة عالية جداً. بدأت العمل مع حالات قليلة في "سورية" عام 2003، ثم سافرت عام 2005 إلى "أوكرانيا"، ودرست في مدرسة "خاركوف" الأوكرانية، وعملت في مستشفى هناك، فالدراسة والعمل كانا في مدينتين متباعدتين، ووجودي في مدينة قريبة من الانفجار النووي "تشيرنوبيل"، جعلني أشاهد حالات كثيرة وغريبة من التشوهات والتعامل معها من خلال خبراتي العلمية، فعملت على دمج المدرستين الأوروبية والروسية المختلفتين اللتين تعلّمت فيهما، وتعمقت في مجال العلوم البصرية، وبتّ أتمتع بحرفية عالية».

عين اصطناعية مماثلة

لم يبخل الطبيب "نمير هدبة" بخبرته وإنسانيته على المصابين الذين فقدوا عيونهم بسبب الحرب، فيقول: «شاهدت مئات الحالات لفقدان العين في "اللاذقية"، والمحافظات الأخرى بسبب التفجيرات والحرب، ولمست معاناتهم من انعدام ثقافة تقبل الآخر إذا فقد عينه، فحاولت أن أقدم شيئاً يجعل المصاب متصالحاً مع نفسه وقوياً في المجتمع، فالعدسات الاصطناعية التي أصنعها عين مماثلة لعينه بكل ما فيها من لون وحجم وأدق التفاصيل، وكل مريض يأتيني أرفع معنوياته وأعزز ثقته من خلال العدسة التي تغنيه عن العدسات الجاهزة، ولا يضطر إلى تبديلها قبل خمس عشرة سنة، وهو ردُّ جميل لصدق أولئك الأبطال، وهناك جمعيات عديدة تتعاون معي أحياناً في مساعدتهم».

ويتابع قوله: «أصنع لهم بالاعتماد على قياس العين ولونها، والمزج بين الألوان حتى أصل إلى اللون الأساسي ودقته؛ لأنجز عيناً مماثلة بنسبة تتجاوز 90 بالمئة، والعدسات الاصطناعية تمرّ بمراحل كثيرة، حيث القياس وصبّ قالب العاج والرسم وغيرها، وتستغرق 30 ساعة عمل. الدّقة شيء أساسي، فلا توجد عين تشبه الأخرى؛ وهو ما يجعلني في حالة بحث مستمر لتطوير العمل، فالنتائج التي أراها على المصابين تبعث السعادة حين أحوّله من شخص فقد الأمل إلى شخص يحب الحياة من خلال التغيير، وتخلصه من منظر عينه».

رمضان ديب مع الطبيب

المصاب "رمضان ديب" يتحدث عن تجربته مع الدكتور "هدبة"، قائلاً: «حين أُصبت بقذيفة عام 2014، وبعد إجراء عمليات عدة أخبروني بأنني فقدت عيني اليمنى، كانت حالتي النفسية سيئة جداً، ولم أغادر المنزل بسبب عيني التي فقدتها وعدم قدرتي المادية على تركيب عين اصطناعية بدل العدسات الجاهزة البلاستيكية التي تعيقني دائماً، وحين رأيت صديقاً لي فقد عينه أيضاً لم أستطع تحديد الفرق بين عينه السليمة والمصابة، فأخبرني بالطبيب "نمير"، وقررت المجيء إليه، كما أنه لم يتقاضَ أي أجر مني مقابل العين الاصطناعية».

الجدير بالذكر، أن الطبيب "نمير هدبة" من مواليد مدينة "اللاذقية"، عام 1978.

إحدى الحالات