يعدّ "السوق المقبي" ذو الأبواب الخمسة، من أقدم أسواق "اللاذقية" القديمة، وملامح أهميته الأثرية بارزة من خلال جدرانه المبنية من حجارة قديمة، وجاءت تسميته من وجود بعض الأبنية المسقوفة فيه، فتحوّلت الجولات اليومية للناس إلى فسحة للراحة والمتعة.

مدونة وطن "eSyria" قامت بتاريخ 24 كانون الثاني 2017، بجولة صباحية في "السوق المقبي"، والتقت التاجر والحائك "عبد الله السيد"، الذي عاد بنا إلى ثمانين عاماً في ذاكرة "اللاذقية" القديمة، وقال: «يعدّ "السوق المقبي" من أقدم أسواق "اللاذقية" القديمة، تحيط به ساحة البلدية القديمة وشارع "هنانو" غرباً، وساحة "أوغاريت" جنوباً، وسوق الصاغة شمالاً، ومن الشرق شارع "القوتلي"، وله خمسة أبواب.

الحياكة، وصناعة الصابون وتجارته، ومهنة صنع الطرابيش وكيّها، وتعبئة القطن وتصديره، حيث كان ريف "اللاذقية" يزرع القطن وينتجه، كما انتشرت محال الحبوب بأنواعها، والأقمشة، والخرداوات، ففي الماضي كانت الحياة أجمل والعمل أفضل حالاً، فشتان بين ماضٍ كنا نتعامل فيه بالفرنك، وحاضر يفقد فيه كل شيء قيمته الحقيقية

عملت في "السوق المقبي" بالحياكة منذ عام 1945 كحياكة البسط والصوف وصناعة "المحازم" و"القشط" لمعامل "الريجي"، وعام 1982 حوّلت مهنتي إلى صناعة الحقائب. في الماضي كان يطلق على هذا المكان اسم "البازار" القديم، وكان على شكل زواريب شمل ساحة "أوغاريت"، كما شكّل السوق جزءاً منه آنذاك ليصبح اليوم سوقاً منفرداً تبلغ مساحته نحو ثلاثين ألف متر مربع، ويتميز بجدرانه الحجرية وقناطره التي لم يبقَ منها إلا ثلاث قناطر، ولم يكن مقبياً بالكامل، لكن عام 1958 تغيّرت ملامح المكان بعد أن هُدمت المحال القديمة وأخذ شكلاً مختلفاً».

أحد المحال

وعن المهن السائدة في ذلك الوقت، يقول: «الحياكة، وصناعة الصابون وتجارته، ومهنة صنع الطرابيش وكيّها، وتعبئة القطن وتصديره، حيث كان ريف "اللاذقية" يزرع القطن وينتجه، كما انتشرت محال الحبوب بأنواعها، والأقمشة، والخرداوات، ففي الماضي كانت الحياة أجمل والعمل أفضل حالاً، فشتان بين ماضٍ كنا نتعامل فيه بالفرنك، وحاضر يفقد فيه كل شيء قيمته الحقيقية».

وفي ذاكرة "فخري نداف" صاحب محل للأدوات المنزلية ذكريات يخبرنا بها قائلاً: «جئت إلى هذا السوق عام 1949 وعمري سبعة عشر عاماً، فقد كان السوق عبارة عن أبنية سكنية قديمة مشيدة بحجارة القطع، وفيها بعض القناطر والأقبية، وإلى الجنوب منه ساحة "أوغاريت" أو البازار قديماً، حيث تُباع الحصر المصنوعة من القصب والبردة، وكان يتوسط الساحة صنبور ماء كسبيل يشرب منه المارة آنذاك، ومع بداية عام 1951 أخذ الناس يحولون منازلهم السكنية إلى محال ليصبح سوقاً تجارياً بعد أن كان يقتصر على خمسة محال فقط. كما أنه يقسم إلى قسمين وفروع متعددة يصل بينها ممرات ضيقة. انتعش السوق في عام 1970 من الناحية الشرائية بوجه لافت، لكنه اختلف بين الماضي والحاضر، فقد عُرف بتعدد المهن، واليوم تكثر فيه محال الأقمشة والألبسة الجاهزة والأحذية».

فخري نداف

بينما الخيّاط "حسين صارة" يجلس في محله الصغير منذ عام 1974، فيتحدث: «عملت بهذه المهنة منذ زمن، ويعد "السوق المقبي" من الأسواق المشهورة في مهنة الخياطة، فهذا الزقاق يصل "السوق المقبي" بشارع "القوتلي"، وكانت تنتشر على جانبيه محال الخياطة، وكان العمل في المهنة يجري بخير، لكن منذ سنوات أصبحت أغلب المحال تبيع الألبسة الجاهزة، وابتعدوا عن التفصيل والخياطة، وبذلك قلّ العمل بوجه ملحوظ».

لقد اعتاد أفراد العائلة بمختلف أعمارهم شراء مستلزماتهم كالألبسة والأحذية من "السوق المقبي"، حيث قالت ربة المنزل "منى نعمان" عن جولاتها فيه: «كنت أرافق جدتي إلى السوق منذ أربعين عاماً حين كنت طالبة فنون نسوية، فقد كنت أشتري ما يلزمني لدروس الفنون من (إكسسوار وكلف وأزرار وقماش)، وبعد ذلك تزوجت وأصبحت أتسوق لزوجي وأبنائي من هنا، وكذلك بعض الأغراض المنزلية؛ فهو سوق شعبي وأسعاره مقبولة، وأثناء افتتاح المدارس والأعياد يزدحم بالناس ويزداد إقبالهم على الشراء.

من غوغل إيرث

لكن الأجمل من كل ذلك تلك التفاصيل الصغيرة التي تمتعنا في جولاتنا، وكأننا جزء من التاريخ».

يُذكر أن "السوق المقبي" يبعد كيلو متراً واحداً عن مركز المدينة المعروف "الشيخ ضاهر"، وما زال ينتظر أن تكمل البلدية عملها لجعله سوقاً مقبياً بالكامل.