في شهري كانون الثاني وشباط ينشغل مزارعو قرية "مشيرفة الساموك" بالتنقل بين البساتين، للبحث عن أشجار مميزة، فيأخذون منها أغصاناً ليطعّموا بها أخرى؛ فهذان الشهران إضافة إلى شهر نيسان، الأكثر ملاءمة للتطعيم وغرس العُقَل، وحلّ مشكلات الأشجار غير المثمرة.

مدونة وطن "eSyria" زارت المزارع "عدنان حزنقور"، في قريته "مشيرفة الساموك" بتاريخ 27 كانون الثاني 2017، لتواكب هذا العمل الذي برع به المزارع السوري بيده الخضراء منذ آلاف السنين. حيث يعرّفنا بمواعيد التطعيم وأهميته في شهر كانون الأول ومطلع شباط، ولماذا تطعّم أشجار أخرى في مواعيد مختلفة، فيقول: «لكل شجر موعد، فالفاكهة مثل اللوزيات والرمان والعنب، موعدها في شهر كانون الثاني وحتى شباط، حين تبدأ البراعم الانتفاخ. أما الزيتون والحمضيات، ففي نيسان، لأننا نطعّمه عن طريق قشر لحائه، ودسّ الطعم فيه، وفي ذلك الشهر يكون اللحاء قابلاً للنزع، ويمكن قشره بسهولة».

علينا أن نقرب منطقة التطعيم من الأرض حيث لا تتجاوز 30سم، وعندما ينمو الغصن الجديد يستطيع أن يفرض نفسه ويلتحم بالتراب. أما عندما تكون منطقة التطعيم مرتفعة، فسنجد أن ما نما هو شجرة ساقها نحيل، وأغضانها ثخينة مع انتفاخ بارز في منطقة الطعم

لكل نوع من الأشجار طريقة في التطعيم، وحتى لكل شجرة أكثر من طريقة، حيث يوضح ذلك بالقول: «لكل نوع طريقته المفضلة بالتطعيم، فهناك الطريقة القديمة التي نسميها طريقة "الزفت"، وهي الأكثر رواجاً في تطعيم اللوزيات والدالية، من خلال غرس مسطرتين مدببتين في ساق مقطوع ومشقوق عمودياً، وتغطية مكان القطع بمادة الزفت. أما طريقة "الشق"، فتعتمد على غرس مسطرة في لحاء غصن من دون قطعه، وهذه الطريقة تستخدم للزيتون بوجه رئيس، وكذلك الأمر بالنسبة للحمضيات. كما أن هناك طرائق أخرى حديثة وكثيرة يمكن أن تستخدم، لكننا نستخدم الأكثر جدوى منها والأكثر ملاءمة».

"حزنقور" يحضر المسطرة

عدا المعرفة، يحتاج المزارع إلى المهارة في العمل؛ فالتطعيم يحتاج إلى حرفية ودقة، يؤكد بقوله: «أن نتعلّم الطريقة لا يعني أننا نتقنها، مثلاً عندما نشق غصناً لنضع فيه الطعم، على الطعم أن يقصّ بحذر، وفق نسق محدد، وأن يوضع داخل الشق من دون أن نترك أي فراغ، وأن نحجب عنه الهواء. كما علينا أن نهتم باللحاء لكي يلتصق مع الأصل لتواصل الشجرة نقل الغذاء، وإن أتقنّا هذه العملية، فمن المضمون أن حقلاً كاملاً ينجح التطعيم فيه من دون أن نخسر أياً منها».

تعلم "حزنقور" التطعيم من والده، لكنه طوّر معارفه بالانخراط في ورشات عمل في مراكز أنشأتها وزارة الزراعة ليتعلم الأساليب الحديثة كذلك.

"مهنا" يتفقد طعماً

لكن التطعيم والزراعة بالعُقل تقنيتان متوارثتان عند المزارع السوري، وهما موهبة عند أغلب أهالي قرية "مشيرفة الساموك"، فلا يوجد مزارع إلا ولديه تجربته الخاصة، وقد تكون فريدة ومدهشة، وللمزارع "حسام مهنا" ممارسات تبدو أقرب إلى الأسطورة، تثير الدهشة، وما زالت مستخدمة حتى الآن، وعنها يقول: «حكت لي أمي أن المزارعين في القرية -لأنواع محددة من الغراس- كانوا يشقون العقلة عمودياً من أسفلها، ثم يضعون في الشق حبة شعير، ثم يطمر الاثنان معاً في التراب لتنمو، وهكذا ستساعد حبة الشعير العقلة لتنتشي وتعيش، بعد أن تعطيها دفعة من الغذاء، وأيضاً نبات "اليقطين" الذي يعطي زهراً بلا ثمر، فيلجأ المزارعون إلى شقّ ساقه، ووضع حبة أو اثنتين من الثوم، ثم يربط مكان الشق، ويترك ليلتحم، بعد ذلك يصبح النبات مثمراً بكل أزهاره، هذه الطريقة جرّبتها بنفسي وفعلاً أثمرت كل الأزهار بعد ذلك».

أما عن تجربته مع التطعيم، فقد تعلّم "مهنا" حيلاً يتغلب بها على الفروق التي تظهر بين الطعم والأصل، فإن كان نموّ الفرع الجديد أكبر من الشجرة الأم، قد يحدث اختلال في شكل الشجرة، ويحدث هذا في شجرة التوت الأبيض "البلدي" إن أردنا تطعيمها بالتوت الشامي، لتجنب ذلك يقول "مهنا": «علينا أن نقرب منطقة التطعيم من الأرض حيث لا تتجاوز 30سم، وعندما ينمو الغصن الجديد يستطيع أن يفرض نفسه ويلتحم بالتراب. أما عندما تكون منطقة التطعيم مرتفعة، فسنجد أن ما نما هو شجرة ساقها نحيل، وأغضانها ثخينة مع انتفاخ بارز في منطقة الطعم».

طعم أثمر في سنة

ما بين الغرس والتطعيم؛ يحتاج الأول إلى سنوات. أما الثاني، فهو ضرورة لا بد منها؛ فالشجر في الساحل السوري ينمو على تخوم الحقل من دون استئذان، والمزارعون بحاجة إلى ساق وجذور قوية لا يمتلكها إلا النبات البري، هكذا يظل "حزنقور" و"مهنا" ومعهم مزارعو "مشيرقة الساموك" يتفننون في الزراعة، ويستنبطون طرائق لجعل بساتينهم أكثر خضرةً وبهاءً.