اختلفت الصورة التقليدية لعلاقة المغترب السوري بمجتمعه مع الأزمة الراهنة؛ عبر التركيز على تقديم مختلف أنواع المساعدات التي يمكن للمغتربين القيام بها لمصلحة أبناء وطنهم.

سابقاً كانت الأموال المحولة للبلاد توجه إلى إقامة مشاريع مرتبطة بالتنمية المستدامة على أرض الواقع؛ خاصة في المناطق التي توجد بين أبنائها نسبة جيدة من المغتربين، هذه الأموال مثّلت رافعة مجتمعية في ظل الحاجة الماسة إلى الاستثمار في الطاقة البشرية المتجددة وهو ما كان لا يستوعبه سوق العمل، اليوم تغيرت الصورة في كلا الجانبين وباتت الحاجة أكثر للقيام بأعمال موجهة لخدمة المجتمع ككل في ظل الظروف الراهنة.

الكثير مما قدمناه مصدره المغتربون السوريون الذين تواصلوا معنا لتقديم ما يمكنهم من أجل أهلهم، هذا الأمر أتاح لنا استثمار جزء من العائد لتدريس أطفال المهجرين والقيام بدورات تدريبية مجانية لهم في الخياطة والأشغال اليدوية وغيرها، العائد هنا بالنسبة لهم هو قيمة عملهم المضافة إلى رغبتهم بخدمة أبناء بلدهم، لم يكن العائد المادي لكثيرين منهم من الأمور المهمة سوى في تأهيل وتدريب من يمكن أن يستمروا في خدمة الناس هنا

المغترب السوري "غريس زغيتيتي" في "هولندا" منذ سنوات تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 تشرين الثاني 2015، قائلاً: «واجبنا كمغتربين خدمة أبناء بلدنا بالطريقة التي نقدر عليها، هذا جزء من رد الدين للبلد خاصة في ظل الظروف السورية الحالية التي تستدعي أن نقف جميعاً مع بعضنا لتجاوز الأزمة الراهنة، أعمال المغتربين داخل البلد تعرضت للتغيير بالتأكيد تبعاً لما جرى، وباتت الحاجة إلى رؤية جديدة فيها بما في ذلك لاحقاً إعادة الإعمار، المشاريع الاستثمارية يجب التركيز فيها على التنمية طويلة الأمد، وليس على المشاريع الإسعافية التي نقوم بها حالياً في مختلف المناطق».

د.ياسين الفتيح

توجه هذه الأموال اليوم بنسب مختلفة خاضعة في كميتها للمغتربين أنفسهم إلى مناطق متعددة تعرضت للدمار أو التخريب، يضيف المغترب "زغيتيتي": «من الصعب حالياً التفكير بمشاريع كبيرة، لذلك نكتفي كمغتربين بدعم الجمعيات الأهلية والخيرية والمدنية التي تعمل في قطاعات التأهيل والتدريب والإغاثة. وللمساعدة في مناطق متعددة قام مغتربون ببناء مستوصفات أو مستشفيات أو ما شابه لخدمة الناس في ظل تراجع أداء القطاع الصحي وخروج العديد من المستشفيات من الخدمة، كذلك فإن الأموال تتوجه إلى دعم قطاع المهجرين وأطفال الشهداء والجرحى، وغيرهم من شرائح المجتمع السوري التي تحتاج إلى الدعم كثيراً».

قام بعض المغتربين في مناطق سورية مختلفة بترك بلدان اغترابهم والعودة إلى "سورية" على الرغم من الظروف لتأسيس أعمال جديدة، فيما فضل آخرون الربط بين المغترب والبلد عبر جولات مكوكية لمساعدة الناس في البلاد، يقول المغترب البروفيسور "ياسين الفتيح" من "دير الزور" والمقيم حالياً في "دبي": إن دعم الجمعيات هو حالياً التفكير الأسلم والأكثر صحة في ظل عدم القدرة على تأسيس أعمال كبيرة بسبب الحصار الاقتصادي والوضع العام في البلاد، ويضيف: «عملنا على التشبيك مع جمعيات متعددة لتقديم ما يمكن للأهل في "سورية"، مثل المواد الصحية والأدوية وأغذية الأطفال والألبسة، في "سورية" وخارجها، صحيح أن هذا لا يندرج تحت إطار الاستثمار، لكن كما قلت فإن التدريب مثلاً على التأهيل المجتمعي للأطفال يعدّ برأيي من الاستثمارات طويلة المدى والمهمة جداً للمجتمع على الرغم من عدم وجود مخرجات مادية لنا، إلا أننا نرى أن مجرد وقوفنا مع أهلنا بهذه الطريقة استثمار حقيقي في الإنسان».

غريس مع مجموعة من السوريين المغتربين في هولندا

من جهة ثانية فإن المستفيدين من أموال الاغتراب كثيرون، وجمعيهم يثني على الصورة المميزة التي قدمها مغتربو "سورية" لبلدهم، فحسب الأمم المتحدة نفسها فإن أكثر من ثلثي مساعدات الشعب السوري مصدرها سوريون في الاغتراب، تقول "ميادة يوسف" رئيسة جمعية "إيثار" الخيرية في "اللاذقية": «الكثير مما قدمناه مصدره المغتربون السوريون الذين تواصلوا معنا لتقديم ما يمكنهم من أجل أهلهم، هذا الأمر أتاح لنا استثمار جزء من العائد لتدريس أطفال المهجرين والقيام بدورات تدريبية مجانية لهم في الخياطة والأشغال اليدوية وغيرها، العائد هنا بالنسبة لهم هو قيمة عملهم المضافة إلى رغبتهم بخدمة أبناء بلدهم، لم يكن العائد المادي لكثيرين منهم من الأمور المهمة سوى في تأهيل وتدريب من يمكن أن يستمروا في خدمة الناس هنا».

في المحصلة تعددت أساليب الدعم التي قدمها المغتربون لبلدهم، لكنها كلها ركزت على الإنسان وخدمته في هذه الفترة العصيبة من تاريخ البلد بما يساهم في المحافظة على كرامته.

تبرعات مغتربين