قضى عمره بين الكتب والناس، منافحاً عن الحق والحقيقة، وباحثاً عن تعزيز صورة الإسلام الحضاري في علاقته بالعروبة والإنسان، غير مهتم أن يطرق بابه أو يطرق باب مؤسسة إعلامية للحديث عن منجزه الفكري الذي تجاوز عشرات الكتب والأبحاث.

المفكر والباحث السوري "برهان زريق" ودعناً قبل أسابيع صامتاً مبتسماً كعادته، منجزاً في عالم الفلسفة والفكر والقانون والأبحاث ما يضعه في الصف الأول من مفكري العالم العربي ذوي الأثر الواضح في تكوين اتجاهات هذا الفكر.

كان منافحاً عن الحق والحقيقة، إنساناً أولاً وقانونياً ثانياً، كان علّامة في القانون كما في الحياة، وفي زمن الغاب الرابض والخانق والمزمن بقي إنساناً وفياً لمبادئه

للمفكر الراحل سيرة ثرية يذكرها ابنه المهندس "سامر" في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 تشرين الأول 2015، فيقول: «قبل عام 1958 مارس التدريس في مدارس "اللاذقية" ومنها مدارس "جبلة" وقراها قرابة السنتين تقريباً، وبعد نيله لإجازة الحقوق من جامعة "حلب" عام 1965 تعين موظفاً في مؤسسة التبغ في الدائرة القانونية وبقي فيها حتى عام 1970 حين سافر إلى "القاهرة" لينال الماجستير في القانون من جامعتها.

المهندس سامر زريق

استقال من عمله الإداري في "الريجي" بعد خروجه من الاعتقال لميوله الناصرية عام 1975، ودخل سلك المحاماة مطلع العام التالي، وبقي فيه حتى تقاعده في آذار 2007، كان خلالها قد نال عام 1984 دكتوراه في القانون الإداري من جامعة "المنصورة" حملت عنوان: "نحو نظرية عامة في العرف الإداري"، ليعود إلى "سورية" إلى سلك المحاماة».

بقي الباحث والمفكر "زريق" حتى رحيله يعمل في سلك القانون والمحاماة، رجلاً يعرفه كل من عاشره بنبل المعشر والصدق والاستقامة، «كان منافحاً عن الحق والحقيقة، إنساناً أولاً وقانونياً ثانياً، كان علّامة في القانون كما في الحياة، وفي زمن الغاب الرابض والخانق والمزمن بقي إنساناً وفياً لمبادئه»؛ كما يذكر ذلك الدكتور "جهاد عطا نعيسة".

منذر مصري وبرهان زريق ومحمد رعدون

تجاوز عدد الكتب التي كتبها الراحل العشرات، ركزت كلها على مفاهيم الحوار والبحث المتجدد في تاريخ الإسلام والعروبة بحثاً عن صورة حضارية متجددة للعروبة، من أبرزها: "المرأة في الإسلام"، "الصحيفة وميثاق المدينة المنورة" (وطبع طبعتين حتى عام 2015)، "الإسلام والعلمانية"، "العروبة والإسلام"، "الإنسان في القرآن" (2011)، "ثورة الحفة" (2011) عن ثورتها ضد الاستعمار الفرنسي، "التجدد الحضاري في الدار العربية" (2014)، "العرب المسيحيون" (2012)، "فلسفة الحرية"، و"الإصلاح الديني"، وغيرها.

كتب الراحل الكثير من الكتب التي مثلت هويته الفكرية معتمدةً على الربط الحضاري بين مفهومي العروبة والإسلام الديمقراطي، يذكر الشاعر "منذر مصري" صديقه في شهادته عن الراحل قوله: «رجل عاش مغموراً ومات بصمت في سبيل أن تكون "سورية" وطناً للجميع، والعروبة عقيدة، والإسلام منهجاً بفكره المدني والديمقراطي الذي كان يؤمن ويبشر به مستعيداً كل تفصيل إنساني وفكري، لا أظن يعرفه ويقرؤه سوى القلة الذين يقدم كتبه لهم، طبع أغلب كتبه على حسابه الخاص».

من أعماله الفكرية

من طروحاته التي قدمها في كتبه ما ذكره في "الموسوعة الإسلامية" التالي: «ولا يمكن أن تتحقق تطلعات الأُمّة في الوثوب الحضاري من دون التجديد، وإذا أردنا أن نكون أُمّة ورقماً صعباً ومؤثراً، فنحن بحاجة إلى التجديد الذي يصقل المواهب ويبلور الطاقات، ويستوعب الإمكانات ويوظفها بطريقة سليمة».

عاش "برهان" سنواته الأخيرة بهدوئه المعهود في منزله في حي "مار تقلا" منصرفاً إلى البحث والكتابة، ترك آثاراً كثيرة تنوف على 26 كتاباً تحتاج إلى أن تجمع وتطبع في طبعات جديدة، وهي المهمة التي بدأها ابنه مؤخراً، فالسؤال المعرفي الذي صاغه الراحل وعمل عليه ما يزال راهناً سواء في عالم الفكر أم في عالم الحياة.

يذكر أن الراحل "برهان زريق" ولد في قرية "جنكيل" التابعة لمنطقة "الحفة" في "اللاذقية" عام 1933، وتعرف هذه القرية حالياً باسم "القادسية"، ونال شهادة الثانوية من ثانوية البنين في "اللاذقية" المدينة عام 1951، ليتوجه بعدها إلى جامعة "دمشق" وينال أول إجازة في الأدب العربي عام 1958.

غادرنا إلى مستقره الأخير في مدينة "اللاذقية" مساء الأحد في الحادي عشر من تشرين الأول؛ منكباً على تأليف كتابه الأخير "الكرامة الإنسانية"، وقد أنجز منه جزءاً جيداً.