يرى أن "الشعراء هم أولئك السفراء من عبقر، الذين يبكون فيُطرب سواهم، ويشكون فيتعزى غيرهم، بينهم وبين الحب علاقة أزليّة جدليّة، وأن الشعر هو ذاك العصيّ، إلّا على مرافئ عبقر، وهو السؤال المتجدد بحد ذاته، ولا جواب".

هو الأديب والباحث "محمد عباس علي" الذي اقتبسنا من كتابه مقدمةً رأى أنها خير معبِّر عنه، التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 29 أيلول 2014، فتحدث عما يعنيه له الشعر قائلاً: «الشعر قبل كل شيء موهبة، لكنها لا تكفي، إذ لا بدّ من إغنائها وصقلها، كي تتدفق شعراً، فقد بدأت حياتي بتعلم القرآن الكريم، الذي هو المصدر الثرّ للغة والذوق، إضافة إلى حفظ الشعر العربي القديم بدءاً بالشعر الجاهلي وانتهاءً بما وصل إلينا من شعراء العصر الحديث، فلا يوجد شاعر معروف استطعت الحصول على قصائده إلا وحفظت له شعره، الأمر الذي جعلني أمتلك ذخيرة طيبة من الشعر مكنتني من صقل موهبتي الشعرية، والارتقاء بها إلى مرتبة الشعر».

قرأت بعقلي، ورأيت بقلبي، وتبصّرت بباصرتي كتابكم "قدوس آل يعقوب"، الذي فيه شفاء النفس وراحة الروح، وبركة الطمأنينة ودفء الأسرار

وكان للشعر العربي القديم الأثر الكبير في نوع الشعر الذي انتهجه الأديب "محمد عباس"، حيث قال: «أكتب الشعر الأصيل الكلاسيكي، الشعر الذي قال عنه "الزهراوي" بيته الشهير:

من أمسية شعرية

"إذا الشعرُ لم يهززكَ عند سماعهُ... فليس جديراً أن يُقال له شعرُ"

فالشعر هو الذي يمتلك الإحساس، والصورة الجميلة، واللفظة المعبرة الموحية وفق جمالها ومقامها، إضافة إلى الموسيقا الخارجية والداخلية، فموسيقا القصيدة العربية القديمة عظيمة جداً، كمثال على ذلك، القصيدة "البائية" للشاعر "ذي الرّمة"، التي تعد من أجمل القصائد، وتعد سمفونية لا تضاهيها سمفونية عالمية في موسيقاها وجماليتها».

أحد كتبه

وتابع القول: «كان لشعراء العصر العباسي أثر كبير في حياتي الشعرية، أما من شعراء العصر الحديث فقد تأثرت بعدة شعراء كبار، وهم: "بدوي الجبل"، و"نديم محمد"، و"عمر أبو ريشة"، و"حامد حسن"، وحفظت لهم الكثير ولا أزال أحفظ، حتى إن منهم من يعدّني من رواة هؤلاء الشعراء بسبب مخزوني الشعري لهم».

وعن كيفية كتابته للقصيدة والعناصر التي يستمد بها الوحي في نتاجه الشعري، حدثنا: «أعيش معاناة القصيدة قبل أن أكتبها، وخاصة عندما أعيش هموم وطني ونفسي، فتتولد لدي هذه المشاعر، وعندما تكتمل أجدها كالحمْل الذي لا بدّ بعده أن يكون المخاض، ومن ثم الولادة، فالقصيدة هي التي تكتبني ولا أكتبها، ولكل شاعر بيئة يستمد منها روح قصائده ويكون لها طابع مميز في شعره، فأنا ابن الجبل، وقريتي مطلة على البحر الجميل، وتنتثر مع القرى المجاورة على صدر هذا الجبل، ليشكلن نجيمات متلألئة في الليل، يكثر فيها شجر السنديان والظل، وهذه كلها من عوامل القصيدة إضافة إلى صفاء المدى».

وعند سؤاله عن الحداثة في الشعر قال لنا: «لا يوجد استمرارية من دون حداثة، قد يظن بعض الأشخاص أن من يؤمن بالأصالة والعراقة لا يؤمن بالحداثة، وهذا خطأ مدمّر، لو كنت لا أرى نفسي إلا في اللحظة التي أعيش فيها سأتجمد، ولكن هناك فرق كبير بين الحداثة والانفلاش والفوضى، فأنا مع الشعر العربي الحديث وأقرؤه باهتمام، كشعر "نزار قباني" و"محمود درويش" وكثيرون غيرهم، وأجده يتماشى مع عناصر القصيدة، ولكن الفوضى التي حصلت نتيجة ذلك، والتي جعلت الآخرين يظنون أن من ينفلت من القافية والوزن يكتب شعراً، هو أمر يندى له الجبين بين الشعراء، إلا أني أرى أن معظمهم عاد إلى الأصالة والموسيقا الشعرية بطريقة حديثة، وهذا أمر إيجابي».

كما ويعرف عن الأديب عشقه وتوقه للغة العربية الذي استمده من القرآن الكريم الثري باللغة والعظمة في الديباجة واستخدام الألفاظ في مكانها، الأمر الذي قاده إلى تعلمها وإجادتها كل الإجادة، ولهذا الأمر سألناه عن مدى تأثر هذه اللغة بتطورات العصر الحديث، فأجابنا: «أرى أن اللغة في خطر ما لم نحسن تدارك وتحصين الأمر، إذ إن الوسائل الحديثة كالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فرضت بعض المصطلحات بلغتها، وأصبحت جزءاً من حياتنا اليومية؛ ولهذا يجب على مجمع اللغة العربية إيجاد مصطلحات بديلة بلغتنا العربية، وبهذا نتفادى هذا الخطر الكبير».

من يقرأ دواوين الأديب "محمد عباس" يجد أن للمرأة دوراً كبيراً في شعره، فقد أهدى ديوانه الأول "وهج ورماد" لزوجته، وقدمه ببيتين جميلين يقول فيهما:

"يا حبيباً طرّز العمر حكايُا... خمرتي أنتَ ونعم السّكرُ

هزّني قولك عني: شاعري... كيف لا يبدع هذا الوترُ؟"

ويقول عن العروبة: «هي نبض لا يغيب عني إلا إذا غاب نبض قلبي، وهي موجودة في كل قصائدي الوطنية، فأنا لا أنظر إلى هذا الوطن إلا على أنه الوطن العربي لا العالم العربي».

ففي ديوانه "عندما يسطع الحلم" يقدم الإهداء بالقول:

"إلى الأم المقاومة بنفسها، أو زوجها، أو بأبنائها

أهدي ديواني معطراً بطيوب إكباري، للدم والعزم العربيين الزكيين، أينما سفحا من أرض الوطن العربي الكبير..".

قال الناقد الأدبي "نعمان ابراهيم حميشة" عن الأديب "محمد عباس": «شاعر تجذبك قصيدته بجمالها ونعومتها ورقتها، وقف صامداً في قلب الحركة الشعرية الحداثوية المعاصرة، تمسك بالإيقاع الخليلي وبقي محافظاً على كلاسيكية القصيدة، يعرف كيف يفجر الكلمات ويستولد المعاني وكيف يستخرج دفائنها، تقرأ قصيدته فإذا به يمسك بك بطريقة غير عادية، فنقول ما السر؟ لكن الساحر لا يكشف أدواته أبداً».

أما الشاعر والناقد "محمود حبيب" فيقول عن كتاب للأديب: «قرأت بعقلي، ورأيت بقلبي، وتبصّرت بباصرتي كتابكم "قدوس آل يعقوب"، الذي فيه شفاء النفس وراحة الروح، وبركة الطمأنينة ودفء الأسرار».

بقي أن نذكر أن الأديب الكبير "محمد عباس" من مواليد 1940، قرية "المرّان – القرداحة"، حاصل على شهادة الحقوق من جامعة "دمشق"، إضافة إلى شهادة دكتوراه عنوانها "الإبداع في التطلع والإشعاع".

شغل العديد من المناصب والمهام الإدارية والإعلامية، فكان مدرّساً للغة العربية والتربية الدينية، ومن ثم محاضراً لمادة الثقافة في كلية الآداب لجامعتي "تشرين" و"دمشق"، أما عمله الأساسي فكان في الإعلام وآخره الإشراف على مركزي الإذاعة والتلفزيون في "اللاذقية" و"طرطوس" عند إنشائهما، وتقاعد في عام 2003، وكان لديه زوايا في بعض الصحف، فكتب زاوية "آفاق" في صحيفة "تشرين" مدة 14 عاماً، وفي صحيفة الوحدة كتب في زاوية "من غمام الكلام"، ولديه الكثير من المقابلات التي أذيعت وصوّرت في الإذاعة والتلفزيون.

وهو حالياً عضو في اتحاد الكتّاب العرب، وعضو في اتحاد الصحفيين السوريين، وعضو في اللجنة العليا لتمكين اللغة العربية.

له 5 دواوين شعرية، منها: "وهج ورماد، عبق المواجع، فوح المعاطير، عندما يسطع الحلم"، إضافة لديوان جديد لم يطبع بعد بعنوان "الشهداء"، و3 كتب في الفكر كـ"قدوس آل البيت" وهو بحث فقهي وتدبّر في القرآن الكريم، و4 كتب في الأدب؛ وهي عبارة عن تراث وقيم اجتماعية قديمة أسقطها على الواقع.

إضافة إلى العديد من المخطوطات، كـ"المطيف" وحوّلها إلى تمثيليات في الإذاعة السورية، "في رحاب ميّة"، "خمريات أبي نواس"، وغيرها.

له العديد من المشاركات الأدبية في ملتقيات كملتقى "حوار الحضارات" في "دمشق"، و"بيروت"، و"طهران".

حصل على جوائز عديدة منها، جائزة "آل البيت" مع وثيقة بأنه (شاعر آل البيت في هذا العصر)، وكرّم بجائزة من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية عن بحث في "نهج البلاغة"، إضافة إلى جوائز تقديرية كثيرة من وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب.

نختار للشاعر أبياتاً من قصيدة "الأقدسان":

"الأقدســـان بنفسي: الله والسّوَرُ... والأكرمان بدربي: الحب والذَّكرُ

فمسرحي: علمٌ فيه الرؤى انسكبتُ... تأتجُّ ممّا تحاباها الضحـى العَطرُ

نهبـتُ مدّخر الأيــــــــام من فكَـــرُ... وصغتها درراً، فاخضلّت الدّررُ

من كل ســــانحة تزكو بَوارقُـهــا... كانت لي الومضات الغرُّ والغُرَرُ".